لم تنقطع عادة المخرجين المسرحيين السوريين في استلهام المسرح العالمي المترجم، الشرقي منه أكثر من الغربي، لتقديم هذه النصوص على الخشبة، وكثيراً ما طالت أنواع الأدب الأخرى، وأبرزهم شيخ القصة القصيرة العالمي أنطوني تشيخوف، الذي تميزت حكاياته بأنها تسرد النفس البشرية وفق أبسط صيغة ممكنة، وهذا ما اعتمده الكاتب والممثل زهير بقاعي في العرض “وحشة ” الذي أخرجه “رائد مشرف ” وعر ض في ربيع 2018، على خشبة مسرح القباني في دمشق، حيث ضم العرض عدداً كبيراً من الممثلين وصل عددهم إلى اثني عشر ممثلاً وممثلة، أكبرهم في التجربة جهاد الزغبي ومحمد خاوندي، إضافة إلى روجينا رحمون ورؤى البدعيش ومحمد ايتوني، واحمد عاصي وزهير بقاعي وربا المأمون ونضال جوهر ومحمد ناصيف ومحمد شما ورائد مشرف، هذا العدد الكبير من الممثلين تم توزيعهم على عدد من الحكايات كل حكاية عرضت في مشهد منفصل، الرابط بينها هو شخصية تشيخوف التي تظهر أو تستتر خلف الستارة ليبقى صوته يهدر على الخشبة، ويقدمها الفنان جهاد الزغبي بصوته الجهور والمميز، لتكون جمله هي الرابط بين المشاهد التي يعقب فيها على سلوك شخصيات تشيخوف، وتدور حوارات مع الكاتب نفسه حتى العتب على كتابة تشيخوف وكأنها تريد الانعتاق من النص الذي وصمها به، مع أن العرض انتصر إلى تشيخوف وتحديداً في مشهد الخادمة، عن قصة المغفلة، حيث تحاول الشخصية الانعتاق من قيد النص، ولكنها تعود إليه لأنها تعتبر أن شخصيتها لا يمكن أن تكون غير ذلك، وهذا الاعتبار ناتج عن اقتناع الكاتب والمخرج أن تحليلات تشيخوف النفسية تصيب عمق الشخصيات فهي تكتب لتكون لا لتتغير مع الزمن
لا يمكن القول أن العرض اعتمد على الإبهار البصري أو الموسيقي على العكس اعتمد البساطة في إبراز حكايات الانكسار التي تعيشها الشخصيات في تذلل طبقة فقيرة مسحوقة لطبقة تنهبها، حتى أن هذه الطبقة المسحوقة لا تريد أن تتغير، لأنها لم تمتلك إرادة التغيير في نفسها، وبالتالي فإن تشيخوف لم يكتب إلا ما رآه وهو الذي قال في العرض (مر مئة عام على كتابتي لقصصي، ولكن شيئاً لم يتغير؟ هل تغير شيء ؟!) وبالتالي فإن هذه الإضافات التي قدمها الكاتب كانت هي الاشتغالات على النصوص القصصية بالإضافة إلى بعض اللفظات العامية في حين أن النص لم يتم تعريبه أو سورنته بل احتُفِظَ بالأسماء التشيخوفية للشخصيات والمدن كما هي، مثلما احتفظ بجمل تشيخوف العملاقة لتكون الرابط بين الحكايات
العرض بحاجة إلى شيء من “شدّ البراغي ” لتكون الروابط أقوى، فوجود شخصية الراوي، وهذه طريقة تقليدية في المسرح، لم يكن كافياً لجعل العرض متماسكاً ومتمكناً من شد انتباه الجمهور طيلة الوقت، ولوحظ أن ظاهرة الاعتام عند الانتقال من مشهد إلى آخر، حين يخرج الممثلون أو ينقلون أدوات العرض، لم يكن إعتاماً كافياً بل كانت حركة الممثلين مكشوفة بكل بساطة، وفي النهاية يغني صوت جهاد الزغبي عظمة عبارات تشيخوف كما لحظة قوله “هناك سببان لقلة ثقتنا بالناس، الأول: أننا لا نعرفهم، والثاني: أننا نعرفهم”