زرعت سوريا على مدار السنين في حديقتها الفنية وروداً وأزهاراً شتى، لكل وردة ٍمنها شذاها وعطرها الخاص الذي فاح في سماء الفن وقد حوّلها لعوالم سحرية يسرح فيها الخيال كما يشاء بين مشاعر دافئة وشجنٍ خفي وسعادة وإن كانت لدقائق معدودة فهي كفيلة بان تنسينا همومنا اليومية
وفي حديقة الفن تلك، كان هناك وردة فريدة لا شبيه لها، امتازت بعبيرها الذي يُثلج القلوب، إنها التي جعلت من ضحكاتنا ملء أفواهنا كأننا نعيش بسعادة حياة (خمس نجوم) وهي الحجّة التي أبكتنا بملامحها التي اختصرت الوطن المتألم بغربة أبنائه في مسرحية (غربة). إنها الفنانة القديرة سامية الجزائري
ولدت سامية الجزائري في إحدى أحياء دمشق القديمة عام 1946 ودخلت الفن من باب الصدفة عندما التقت بها المخرجة قسمت طوزان واعجبت بشخصيتها.البداية كانت عام 1963 في تمثيلية تلفزيونية بعنوان (أبو البنات) ثم توالت عليها الأدوار وعملت في المسرح العسكري وهي تعتبر مع بنات جيلها من المؤسسات الرئيسيات للدراما السورية
إذا أردنا أن نستعرض المحطات الفنية للفنانة سامية وخاصة في مجال الكوميديا، يكفي أن نتذكّر الشخصيات التي ّجسّدتها جاعلةً منها لوحة كاريكاتورية كاملة لها حضورها وتميزها، ابتداءاً من (أم جندل) الامرأة القوية المسيطرة على زوجها أبو جندل (الفنان فهد كعيكاتي) والمشهد التاريخي الكوميدي والمفارقة في الحوار عندما شاورته في مسألة الخطوبة. إلى (أم ياسين) في مسلسل وين الغلط والمشهد الذي مازال عالقاً في الأذهان لدى ضربها لغوار وأبو عنتر بالمكنسة في المطبخ، لتنتقل مع ياسر العظمة في سلسلة مرايا لتقدم نماذج مختلفة طريفة للسيدة الدمشقية.
إلى أن جاء دورها الشهير في عيلة خمس نجوم (أم احمد بلاليش) الذي جعلها نجمة كوميدية من الطراز الرفيع والذي تصعب منافسته، هذا الدور الذي تكرّر مع سلسلة النجوم وإن كان أقل لمعاناً لكنه بقي المسيطر في (عيلة النجوم ).كما لا ننسى (أم محمود) تلك الجارة البخيلة (جميل وهناء) والذي طغى دورها على كل الأدوار النسائية، الأمر الذي جعل نورمان أسعد تقلّد أداء سامية الجزائري في المسلسل. هذا النجاح جعل من الفنانة سامية شريكة أيمن زيدان في شركة شام للإنتاج الفني ومديرتها
الأدوار الكوميدية لا تعد ولا تحصى: أم ابو الهنا في مسلسل أحلام أبو الهنا مع دريد لحام، أم جانتي في مسلسل يوميات جانتي، البناء 22، شو حكينا، مدام دبليو، وغيرها. إلا أن الكوميديا لم تكن هي السلاح الوحيد الذي جعلها قامة فنية يُحسب لها حساباً. ففي الدراما أبدعت سامية الجزائري بأدوار عدة أهمها الأم الحنون والعمة الطيبة وهي التي لم تتزوج طيلة حياتها. بصمتها كانت واضحة في (ليالي الصالحية) في دور أم صادق، أما الدور الأكثر روعة فهو دور الأم المحافظة في (دائرة النار) عدا دور الحجة في مسرحية (غربة) الذي كان علامة فارقة لها وللمسرحية ذاتها
هنا يقف المشاهد حائراً وهو يسأل نفسه… كيف ممكن لتلك السيدة في (دائرة النار) بكل ما فيها من وقار وملامح جدية قاسية أن تكون هي نفسها (أم احمد بلاليش) في عيلة خمس نجوم؟
سامية هي الشقيقة الأكبر للفنانة صباح الجزائري والتي خطّت هي أيضاً خطاً فنياً خاصاً بها بينما لم يكن العمر الحقيقي لسامية الجزائري ذو أهميةً، فمنذ بداياتها جسّدت أدوار أم لممثلين وممثلات يقاربونها بالعمر أمثال ياسين بقوش ودريد لحام، لقد كان كل همّها هو إلباس الدور ثوباً حقيقياً واقعياً، والموهبة التي لديها جعلتنا مقتنعين تماماً بكل دور أدّته
قد يختلف بعض النقّاد حول طريقة أداء سامية لشخصياتها الكوميدية بين الأداء المتقن أو الهزلي المبالغ فيه قليلاً إلا أننا لا يمكن أن ننكر أن بصمة سامية الجزائري في الكوميديا واضحة جداً وأسلوبها متميز غير قابل للتقليد والاستنساخ
عدا عن الأعمال التلفزيونية، فقد كان لها مشاركات سينمائية: كفرون، سمك بلا حسك، صح النوم وغيرها أما في الإذاعة: أنا وزوجتي وخمسة بعيون الشيطان، حكم العدالة، روزناما خانم، يا لطيف شو شوب وغيرها
حضورها الطاغي في عالم الكوميديا والدراما لم يمر مرور الكرام، فقد حصدت جوائز محلية وعربية كثيرة نذكر منها:
مهرجان قرطاج في تونس عن دورها في مسلسل يوميات جميل وهناء 1997
جائزة مؤسسة دبي للإعلام عن دورها في مسلسل الحوت 2008
مهرجان القاهرة وتكريم عن دورها في فيلم كفرون 1990
الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وتكريم عن كافة أعمالها الفنية 2008
في النهاية لا يسعنا إلا أن نقول ان سامية الجزائري هي الذاكرة الشعبية لكوميديا رسمت الابتسامة على وجوه الجميع دون استثناء على مدى أجيال لتستحق بجدارة لقب: سيدة الكوميديا السورية