في موجة الروعة التي تجتاحنا أثناء حضور عملٍ مسرحيٍ، لا نستطيعأن نميز سرّ الجمال المتمثل أمامنا. لاشك في أن هذا الجمال منبعثٌ من التكامل بين الفكرة والأداء والديكور، وفي الحقيقة يُشكلُ الديكورالعامل الرئيسي في تكوين صورة دائمةٍ للعمل المسرحي في ذهن المتلقي، ولو كان الديكور غير منتقى بدقةٍ وغير مناسب لتفاصيل العمل لشعرنا بالنقص وعدم التكامل
الديكور المسرحي هو واحدٌ من أهمالعناصر المرئية على خشبة المسرح إذ أن ذلك العنصر يقوم بتشكيل الموجودات على خشبة المسرح من أثاث أو مناظر ما إلى ذلك من كل عناصر التشكيل البصرى للكتل الموجودة على خشبة المسرح، فالديكور المسرحي في أبسط تعريف له هو كيفية التشكيل والتوزيع للكتل على الخشبة المقام عليها العرض المسرحي وتلك الرؤية لذلك التوزيع لا تكون في المطلق ولكن يتحكم فيها الحتمية الدرامية لوجود كتل بعينها. لذا نجد أن فن الديكور المسرحي فن قائم على أسس علمية ودراسات منهجية إذ يمثل علماً مستقلاً بذاته نابعاً من تعدد مجالات الفنون المشتركة في إنتاج العرض المسرحي
يعد الشاعر والأديب اليوناني “سوفوكليس” أول من أدخل المنظرالمسرحي المرسوم إلى المسرح اليوناني. ولا شك أن الديكور المسرحي آنذاك لم يكن كالشكل المألوف لنا الآن، لكنه كان بسيطاً للغاية ويرمى إلى الإشارة إلى مكانية الأحداث فقط ولا علاقة له بالطقس الدرامي أونفسية الشخصيات. وانطلاقاً من فكرة ديكور المسرح، قليلٌ منا يسألُ نفسه عن هذا الجندي المجهول المسؤول عن كلّ هذا الجمال المتمثل أمامنا على خشبة المسرح
في حديثنا هذا لاشك أن أول شخصية سورية تتبادر إلى الأذهان في هذا المجال: مصمم الديكور محمد وحيد قزق، الذي بدأ العمل في هذا المجال في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ويعتبر رائداً في هذا المجال، حتى أنشأ جيلاً عاشقاً للمسرح، ويمتلك في رصيده الكثير من الأعمال المسرحية التي قام بتنظيم الديكور الخاص بها، ومن مسرحياته الأخيرة التي لاشك أن قسماً من الجمهور قد استطاع حضورها: مسرحية الملك لير والتي تميزت عموماً بتناقض الديكور مع الرؤية الكلاسيكية لتظهر المسرحية وكأنها صالحة لكل زمان ومكان
في مسرحية ابن عربي استطاع فيها الفنان محمد وحيد قزق جعل الديكور بطلاً من أبطال العملالمسرحية، وأصبحت قطع الديكور أداة تعبير أساسية يتغير المعنى الكلي للعمل فيما لو تم الاستغناء عنها، فالديكور كان الشخصيةالثالثة التي تقف على الخشبة المندمج مع الشخصيتين الأخريين في خطاب واحد
أما مسرحية الأمير اللقلق وهي مسرحية للأطفال استطاع فيها إظهار جمال الاختزال فيما يسمى المسرح الفقير فكان بطل العرض القصر المضيء المصنوع من الكرتون الذي تمحورت عنده لب الأحداث والمدينة المدمرة المصنوعة كذلك من الكرتون في نوع منإنطاق البساطة بأجمل الأغاني، اضافة الى مسرحية الريشة البيضاء وهي مسرحية للأطفال كذلك أحدثت مؤخراً أصداءً كبيرة ساهمت فيها الأجواء المكانية التي جعلت الممثل حاضراً بين الناس على بعد سنتمترات بفضل الجسر العلوي الذي قسم صالة العرض فاصبح الجمهور جزءاً متفاعلاً من العرض المسرحي
وترك قزق مؤخراً بصمته المتميزة في مسرحية «حيلة العنكبوت» اقتباس جوان جان وإخراج غسان الدبس والتي عرضت على مسرح القباني بدمشق. وتدور قصة المسرحية حول خروف تضيع أمه وتهب لمساعدته كل الحيوانات في المزرعة لإيجادها في سياق غنائي وترفيهي يتناغم فيه الديكور والمواد المستخدمة والألوان المختارة مع عرض مسرحي متكامل يحاكي عالم الاطفال الواسع
وهكذا كان محمد وحيد قزق وراء الكواليس صانع فن خفي، يُحَضرُ لكل الجمال الذي يُعرض على خشبة المسرح