يبدو أن الدراما السورية نجحت لهذا الموسم في تحويل رواية الكاتب الأردني الفلسطيني جمال ناجي “عندما تشيخ الذئاب” (صدرت 2008) إلى مسلسل سوري حمل العنوان ذاته
العمل من سيناريو حازم سليمان واخراج عامر فهد ومن بطولة الفنانين : سلوم حداد، عابد فهد، سمر سامي،أنس طيارة، هيا مرعشلي، محمد حداقي، أيمن رضا، سوسن أبوعفار، علي كريم، ميسون أبو أسعد
تتناول الرواية هشاشة العلاقات البشرية وتشابك الدين والجنس والسياسة (الثالوث المحرم)، وأيضا تخوض في عالم الساسة والجمعيات الخيرية وتقدم صورة حية عن أسرار الارتقاء الاجتماعي من الحارات الفقيرة إلى مراكز السلطة والثراء فنشاهد نماذج إنسانية متنوعة رجل الدين، اليساري، الشاب الطموح، العاشقة، الأم وغيرها من الشخصيات التي سرعان ما تتقاطع مع بعضها وتتصارع فتكون صور لذئاب بشرية في حبكة فنية وثيقة الصلة بالواقع
هنا تكمن حرفية المخرج (عامر فهد) والسيناريست (حازم سليمان) في إعادة كتابة السيناريو بمنطق سوري وبما يتناسب مع البيئةالمحلية مع المحافظة على الخط العام للرواية وعلى شخصيات الرواية ونقل السحر الموجود في الرواية إلى السيناريو، فإن قراءة النص الروائي بهدف تحويلة إلى عمل فني هي بمثابة قراءة لنوتة موسيقية، مهارة صعبة لا يتقنها الكثيرين فمن السهل ان تشرح الحالة النفسية لإحدى الشخصيات في وضعية معينة ولكن من الصعب جدا أن تصفها من خلال الفروق الدقيقة من الحركة والحوار
أما عن جماليات الصورة في هذا العمل فكثيرة هي الكادرات المميزة التي نتجت عن عين فنية مميزة قادرة على اختيار اللقطات بعناية سواء فيما يتعلق بدرجات الإضاءة او درجات الألوان والزوايا في تفاصيلالحارات الدمشقية وهذا يعود للعين التي تدرك أهمية الصورة ومدى قوتها في توصيل آلاف الرسائل في صمت (مدير التصوير والإضاءة يزن شربتجي والمخرج عامر فهد
يجسد الفنان (سلوم حداد) دور الشيخ عبد الجليل صاحب الماضي السيء فأظهر قدرته على تقمص شخصية الشيخ التقي يتحايل علىالناس يقنعهم بالآية والحديث ينفذ مصالحه تحت ستار وشعارات دينية بإيحاءات بسيطة كان أداءه يقنعنا بأننا أمام شيخ شاهدناه كثيرا فيالمساجد
اما جبران (عابد فهد) اليساري الذي يعيش حياة صعبة وقاسية ويواجه العديد من العقبات دفاعاً عن مبادئه حيث تتغير حياته بشكل مفاجئ ليجد نفسه متخلياً عن مبادئه فيصبح شخصاً جديداً وذلك لأن المصالح تعلو المبادئ وهو خال الشاب الطموح (عزمي) يجسّده (أنس طيارة) الذي قدّم أداء ملفتاً حيث تمر شخصية عزمي في كثير من التحولات والتغيرات ويدخل متاهات وقرارات مشوشة قدم طيارة هذهالمشاعر بسلاسة في التمثيل دون مبالغة وصلت إلى المشاهد بأمانة مطلقة
بأنوثتها ودلعها الفائض استطاعت (هيا مرعشلي) في شخصية سندس أن تقدم صورة الفتاة الماكرة المتحررة من كل شيء إلا رغباتها وطموحاتها فهي من جهة أخرى ضحية المجتمع الذكوري الذي يتحكم بالمرأة إذ تطلقت ليلة زفافها بسبب عجرفة والدها وجبن زوجها جراهاإلى التمرد فتفقد ثقتها إلا بجمالها وأنوثتها
تمر الأحداث بمنطق مبرر بالرغم من البطء القليل الذي يفرض نفسه على هذا النوع من المسلسلات والالتزام ب 30 حلقة إلا أنها لا تفقد عناصر الجذب التي نكتشفها بتتابع الحلقات
خلال المتابعة يلاحظ المشاهد تدخل الرقابة بحذف بعض المشاهد حيث يعرض المسلسل على قناة أبو ظبي التي اجتزئت حواراتها (مشهد إعلان غزو العراق للكويت ومشهد حضرة الصوفية ومشاهد أخرى للشيخ عبد الجليل) لكن قام المخرج عامر فهد بنشرها على حسابهالشخصي وتناقلته الحسابات الأخرى
تتصاعد الأحداث في الحلقات الأخيرة وتتشابك حتى تصل العقدة لنهايتها وتبدأ الشخصيات بتصفية بعضها البعض فكلما شاخت الذئاب تزداد شراسة كأنها تريد أن تفسد كل شيء قبل انتهاء الحياة