اخفض جناح الشوق فأنت في دمشق، هذا ما تنطق به عدسة المخرج السينمائي محمد عبد العزيز في تجربته الدرامية الأولى، مسلسل ترجمان الأشواق، عن سيناريو للكاتب “بشار عباس” والذي يتناول قصة ترجمان مغترب عن بلده لسنوات ( عباس النوري ) بشخصية نجيب لأسباب سياسيةٍ وقد اضطر إلى العودة مرغماً بسبب حادثة اختطاف ابنته آنا ( ولاء عزام )، وما يدور من أحداث فور عودته ولقاءه بأصدقاء شبابه ( غسان مسعود، فايز قزق ) ممن يختلفون معه بالمواقف ويلتقون بالمحبة والصداقة والذكريات، بالإضافة إلى التطرق لمشاعر الأمومة المتناقضة وما فيها من حب وخوف وصرامة ومودة، كل ذلك تجسده ( ثناء دبسي ) أم نجيب والتي لا تتركُ باباً إلا وتطرقه لإنقاذ حفيدتها مجهولة المصير دون جدوى، والتي تستقبل ابنها نجيب عند عودته من السفر بصفعة تشي بخوف الليال والأيام التي قضتها في همه تبعتها بحضن يحتوي مشاعر الدنيا بأكملها، كل هذا في بناء درامي محكم مليء بالرمزية منذ الحلقة الأولى فيه حيث يصر نجيب على العودة إلى الوطن بجواز سفره السوري، وارتباكه في المطار، ومشهد حقيبة سفره الملونة وهي تدور وحيدة بانتظاره للخروج من الغرفة التي اوقف فيها، انتقالاً إلى مشهد خروجه ليلاً من المطار وحيداً ويظهر خلفه لائحة العائدون وقد تعطلت الإنارة في الكثير من حروفها، كبشرى سيئة بالانطفاء الذي سيعاني منه فور عودته واستقراره، هذا وفي الحلقات القادمة نقف أمام مشهدٍ وجودي يجسد زوال تاريخ فترة كاملة من حياة نجيب وذلك عندما يقف مذهولاً يشاهد والدته وهي تحرق كتبه التي كونت شخصيته ومعتقداته وأثنيته التي يعتنقها منذ ان كان يافعاً شغوفاً بالقراءة حتى لحظة احتراق الكتب
أما عن أحداث العمل فهي تسير بتسلسل جميل وحبكة محكمة مع القليل من البطء والهدوء، بتشويق ولكن بعيداً عن حرق الأعصاب والتصعيد الشديد المتواتر حلقة تلوى الأخرى، فالمشاهد للعمل يجد نفسه يشحن تدريجياً بمشاعر الحب والصداقة والوفاء والتمسك بالوطن إضافة إلى الانجذاب لمتابعة الحلقة التالية ولكن دون توترٍ لما سيحدث على الرغم من المستقبل المجهول الذي تشي به أحداثُ العمل لجميع الشخصيات بما فيهم المكان الذي يقيمون به
أما عن الصورة فمحمد عبد العزيز وبحكم اختصاصه بالسينما نجد لديه اهتماماً كبيراً بجمالية الصورة وتعدد اللقطات العالية المأخوذة لمدينة دمشق، والكثير من لحظات الصمت والتي تكون الأساس في السينما، اما بالنسبة للحوار الذي يتميز به العمل الدرامي عن باقي أنواع الفنون فقد أبدع عبد العزيز بحواراتٍ رشيقة واقعيةٍ متناسبة مع المواقف والأحداث الجارية، في محاولة منه للموازنة ما بين الحوار والصورة إلا أن حب المخرج للسينما جعل الصورة تطغى على الحوار في الكثير من الأحيان حتى كادت ان تكون نوعاً من سلبيات العمل في بعض المواضع، إلا ان اتقان العمل من جميع النواحي ينقذ الموقف، هذا ويمكننا أن نعتبر ترجمان الأشواق بداية انبعاث لطريقة جديدة تجمع بين السينما والدراما التلفزيونية بأسلوب لم يسبق لنا أن عاينه من قبل
هذا ولا يخفى عن المتابع للعمل تلك النفحات الدمشقية التي تزين العمل من صورٍ لشوارع دمشق القديمة بما فيها من عظمة ورهبة، بحجارها وأبنيتها وصولاً إلى حركة الناس فيها وتعاملهم مع بعضهم بنفحاتٍ من المحبة والمودة
هكذا نجد ان العمل الذي منع عن العرض في الموسم السابق كان جديراً بالانتظار فقد كان لمحمد عبد العزيز هدفاً واحداً وهو أن ينقل السينما إلى منازلنا عن طريق شاشة التلفزيون المتاحة بين يدينا ولا بد أنه قد كان له ما سعى إليه