دعم سينما الشباب، ولادة أجنّة مشوّهة! والأصحاء أبطال الإنقاذ

خاص سينما فنون

 

ليست سوى مراسم مواساة وتعزية، جبران خاطر مكسور وإيهام بِوجود، عُروض مواد سمعبصرية رقمية على شاشة كبيرة، فديوهات ارتجالية فائضة عن عبث طفولي، اسمها «أفلام دعم سينما الشباب» بِمجاز فُكاهي يُلملم حروف الاسم المبعثرة، جادت بها علينا إدارة مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة (23 – 28 إبريل 2019) في دمشق، فَكانت غباراً ذُرَّ في عيوننا وأعيا ذائقتنا بالتسمم السينمائي

لا مبالغة في الوصف أمام هول الكارثة الفنية، جريمة بِحق السينما تمّ ارتكابها بِدم بارد وابتسامات جليدية، اقترفها مجموعة من الحالمين بِامتلاك هواية، واحتضنتها مؤسسة حكومية تتبع وزارة الثقافة

المشروع (النبيل) بِفكرته وأهدافه، المُلِّح والضروري بِغاياته؛ ينفصم ويولِّد أجنّة مشوّهة في مسابقة المهرجان الأكثر كارثية، مُقدماً أشباه أفلام من الحق والواجب الوقوف عندها، فَهي أولاً؛ انتاج جهة عامة يُفترض بها احترام الجمهور بِتقديم منتج ثقافي لائق ومفيد يحقق تطور واستمرارية الفن السينمائي في البلاد وردفه بِطاقات شبابية مُؤهلة للعمل بِه، وهنا يُطرَح السؤال عن كيفية قبول هذا المستوى الرديء واللا علمي من مشاريع الأفلام للحصول على منح انتاجية، وعن الأشخاص المسؤولين عن هذا القرار، وتصبح الحاجة ضرورية جداً لوجود رقابة فنية علمية وفاعلة تكون صارمة في مهمتها ضمن عملها بالمؤسسة العامة للسينما، تُعطي المواهب الحقيقية حقوقها من الفرص وتستبعد سواها، وإن كان المشروع يشمل الهواة والمواهب الجديدة؛ فَإنّ من لا يمتلك في مشروعه المُقدَم للحصول على منحة انتاج أدنى الشروط العلمية والفنية يصبح حصوله على المنحة تعويماً ومحاولة إرضاء رغبات شخصية، وفي ذلك الكثير من الضرر والأذى للسينما السورية وجمهورها

لطالما كان العذر الفوري لأي فيلم ضعيف المستوى ضمن هذا المشروع بِضعف الانتاج ومحدودية الإمكانيات التي توفرها المؤسسة العامة للسينما، وهو أمر حاصل حقيقةً، ولكنّه يأتي لاحقاً في مرحلة التنفيذ، وفي هذه الدورة المؤسسة بريئة تماماً من هذا الاتهام، وأي حجة تتعلق أو تحوم حول الانتاج؛ ليست سوى افتراء مرفوض تماماً، الضعف الحقيقي يكمن وبوضوح لا يقبل الالتباس بِإمكانات الحاصلين على المنح أنفسهم، بِغياب موهبة أو أميّة سينمائية، قبل تعلقه بِشروط انتاجية

تلتقي وتتقاطع نتاجات المشروع بِضعف عام في كافة العناصر الفنية والتقنية، وإن كانت التقنية ترتبط بِضعف الميزانية المخصصة لانتاج المشروع؛ فإنَّ الفنية ترتبط حصراً بِصاحب المنحة رغم أن الغالبية العظمى منهم درسوا وتخرجوا من دورة دبلوم علوم السينما وفنونها والتي يُفترض أنهم تعرفوا بها على الأساسيات العامة لِصناعة الأفلام

وأهم تلك العناصر الفنية الضعيفة كانت في البنية الأساسية لِقوام الفيلم، في السيناريو والكوادر والزمن، والتي تعاملوا معها بإهمال واستسهال واضح


السيناريو هو العنصر الأساسي لِقيام وبناء العمل السينمائي فَهو القاعدة وعنده الحُكم الأول، يغيب السيناريو السينمائي الاحترافي عن معظم المواد المُنتجة، وهو أمر يُمكن التغاضي عنه وعذره بِقلة معرفة أو خبرة، كما يُمكن تجاوز القاعدة الرصينة بِتحديد المدرسة السينمائية التي ستنتمي معالجة الفكرة لها قبل الشروع بِكتابة النَّص لِنفس العذر، ولكن أن يغيب سيناريو الفيلم بِشكله العام، بِأساسياته وقواعده وشروطه؛ فَهو دليل مُطلق على عدم كفاءة، وهي سمة غالبة كانت واضحة منذ الدقيقة الأولى لكل مادة سُميّت مجازياً (فيلم)، مقدمات بلا تمهيد يُفترض به تعريفنا بأبطال الفيلم وطبائعهم وظروفهم ضمن الزمان والمكان قبل الانتقال إلى مرحلة الحدث الُمحرك الأول، لنجد بالتتابع عدة أحداث أضعف من أن تمتلك صفة (مُحركة) لِشخصيات هائمة في ظل غياب البناء السليم، والضعف يتأتى في أغلبها من اعتماد (الصدفة) وهو حل إخراجي خاطئ تماماً في السينما حيث لا مكان للصدف، فَكل حدث يجب التهييئ له بِمنطق وتوظيفه وربطه ضمن سرد متين لخدمة الفكرة، فَجاءت الأفلام مرتبكة ومشتتة وبعيدة عن المنطق لِعدم وجود حبكة في بعضها، وضعف الحبكة المراعية للتسلسل المنطقي والتشويقي في بعضها الآخر، تناولت أفكاراً مكررة بِمعالجات سطحية تحوم حول الفكرة ولا تلامس سوى قشورها الخارجية

بالانتقال إلى مرحلة التنفيذ؛ هنا يتشارك مسؤولية التردي مدير الإضاءة والتصوير مع أصحاب المنح، والذي يُفترض بِه إرشادهم وتوجيههم بِخبرته إلى حلول بصرية سليمة ومناسبة لرؤيتهم الإخراجية الخاصة وهو ما يبدو غائباً تماماً، حيث تكوين المَشاهد لم يحقق توالفاً داعماً للارتباط الشرطي للسيناريو بالصورة البصرية، ميزانسين فوضوي في حركة الكاميرا والإضاءة المستخدمة وحركة الممثلين ضمن إطار الصورة المرئية، ولأنَّ الكادر هو الأساس في عملية التصوير -الكادر ثمّ الكادر- فَإنَّ افتقاره للتقسيم العلمي الموظف ضمن حجم اللقطات وللعناصر الداعمة المُعبِرة؛ أفضى إلى افتقار الأفلام للقدرة على الإشباع البصري للمتلقي وتماهيه الذهني مع موضوعات الأفلام

من العيوب الشائعة للأفلام القصيرة السورية عامةً، والتي تتكرر بِكثرة في أفلام دعم سينما الشباب ومنها أفلام هذه الدورة؛ عدم التعامل بِدقة ومسؤولية مع الزمن في السينما، نعود هنا إلى سيناريوهات أفلام المشروع، ونلحظ عدم معرفة بالفارق بين خط ونظام سرد الحكاية في مخيلة الكاتب وخط ونظام سردها الفيلمي، أي لا مراعاة لِضرورة اختزال الحكاية الخاصة بِذهنية وتصورات الكاتب وفق تنظيم وتنسيق ونسب سردية مراعية للوقت في الفيلم، فَكانت النتيجة لقطات طويلة المدة دون توظيف درامي أو غاية فكرية، وكم فائض من اللقطات المجانية التي لم تضف أو تدعم الأفلام جمالياً على الأقل، مما انعكس على إيقاع الأفلام وأصابها بالشلل والهبوط في مسارها، فَلم تتمكن من الاستحواذ على تعلق وشَدَه المُتلقي

قدم المشروع 29 مُنتَج هذه الدورة، أتى منها 3 أصحاء، فَكانوا أبطال الإنقاذ، أفلام مصنوعة بِحس فني عالي وجديّة مدفوعة بِرغبة حقيقية بِتقديم أفلام لائقة، «100 ورقة» إخراج مشترك لكل من أريج دوارة ونور خير الأنام عن سيناريو لهُ، «الحرامي» للمخرج فراس محمد وسيناريو نور الدين نجار، «الوجه الأول … أمي» للمخرجة رباب مرهج

أفلام لها وعليها، لكنها محققة لهدف المشروع وتعدنا بِسينمائيين امتلكوا المعرفة والموهبة، واحترموا السينما وجمهورها. سيكون لنا مراجعة لتلك الأفلام في مقال لاحق