سهيل عرفة … موسيقى الوطن وصباحاته

أيام زمان خاص

 

سورية، تلك البلد العريقة بتاريخها، الخلّابة بطبيعتها، توزع ابتساماتها على أبنائها عبر شمسها التي لا تنطفىء، تعبق سماؤها بنجوم الفن والأدب لتنير ليالينا، كنجم (سهيل) الوضّاء واللامع.. في سماء سوريا نجمان يُدعيان سهيل، نجم من المجرة، ونجم من حارات دمشق القديمة 

ولد الموسيقار سهيل عرفة في دمشق عام 1935 من أبٍ  متديّن يؤمن بالعلم والعمل فقط. ومنذ طفولته مارس عدة مهن إلى أن التقى بعازف الكمان والعود محمد حلواني الذي علّمه العزف على العود إلا أن رفض الأب القاطع لتعليم ابنه الموسيقى جعله يذوق الأمرّين. في عام 1952 اتخذ سهيل دكاناً له لتصليح أجهزة الراديو أمام إدارة مجلة الدنيا لصاحبها عبد الغني العطري الذي كان يستقبل يوميّاً أعداداً من الفنانين، استطاع سهيل التقرّب منهم فدرس المبادىءالموسيقية على يد زمرة منهم ومن بينهم أمير البزق محمد عبد الكريم

قدّمه الفنانون لإذاعة دمشق مطرباً عام 1956 إلا أن كبار الأساتذة الموسيقيين نصحوه بالانصراف عن الغناء إلى التلحين بعدما أبدع مجموعة من الألحان الجميلة

عام 1958 وبعد إعلان الوحدة بين سوريا ومصر لحّن سهيل عرفة أغنية (يا بطل الأحرار) وأدّاها فهد بلان. وفي عام 1959 اجتاز امتحاناً صعباً عندما دُعي لإذاعة حلب لتسجيل بعض الأغاني أمام لجنة تقرّر صلاحية الأعمال منهم أنطوان زابيطا ونديم الدرويش وغيرهم حيث تنفس الصعداء حين تم اعتماده كملحن في إذاعة حلب 

كما وفي نفس العام تم اعتماده في إذاعة لبنان التي كان رئيس الدائرة الموسيقية فيها الموسيقار حليم الرومي حيث تعرّف عليه في دمشق ودعاه إلى بيروت بعدما أعجب بأعماله 

عام 1960 شكّل نقلة نوعية في مسيرة سهيل عرفة حيث بدأ بث التلفزيون السوري  وبدأ الملحنون عملاً فنياً جديداً يمتع حاستي السمع والبصر فلحّن في تلك الفترة لعدة مطربين نذكر منهم كروان وأغنية أنا اللي رميت حبي وبعد ثورة آذار عام 1963 لحّن أغنية (قلعة التحدي) من كلمات الشاعر خليل خوري وغناء دلال الشمالي. هذه الأغنية التي سلطت الأضواء على سهيل عرفة اذ اقترب بأسلوبه من السنباطي مبتعداً عن ألحان الأناشيد الخطابية. التقى بعدها عام 1965 بالفنان صباح فخري فلحّن له قصيدة (الشهيد) وطوّر لحن (يامال الشام) التراثي وميلي ما مال الهوى

 

 

تعاون عرفة مع الفنانة صباح بعدد كبير من الأغنيات الشعبية الدارجة التي غنتها في بعض أفلامها نذكر منها : (من الشام لبيروت)، (ع البساطة)،( يا خالي)، (ممنونة) وغيرها. كما أعطى سميرة توفيق وطروب عدة أغانٍ والفنانة شادية أغنية (يا طيرة طيري يا حمامة) التي طوّر لحنها التراثي كما فعل مع الفنانة نجاح سلام بأغنية قدك الميّاس

من المحطات المميزة في مسيرة سهيل عرفة هي تعامله مع العملاق وديع الصافي في أغنيات (يا دنيا)، (يا زمان)، (مشتاق)، (لا ترحلوا) ونصري شمس الدين في أغنيات (خدني ع الشام)، (قلبي العطشان)، و ليلى 

لحّن سهيل عرفة للكثير من المطربين العرب، التونسي أحمد حمزة،الجزائري رابح درياسه، وسمير يزبك وعازار حبيب وجوزيف عازار من لبنان ،كما تعامل مع وليد توفيق وأصالة نصري وسميرة سعيد في أغنية نهر الشام 


لم يقتصر دو
ر الموسيقار سهيل عرفة على تلحين الأغنيات فقط وإنما تعدّاه إلى تلحين المونولوغ والاسكتشات وموسيقا الأفلام السينمائية والمسرحية والمسلسلات والتمثيليات التلفزيونية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، 
مونولوغ خدلك سيكارة، شيش بيش، أداء رفيق سبيعي، اسكتش (المنجم) غناء دريد لحام ونهاد قلعي وسموره في فيلم غرام في اسطنبول، موسيقا أفلام (الفهد)، (مطلوب رجل واحد)، موسيقا مسلسلات (أيام شامية)، (أبو كامل)، (طرابيش)، (جريمة في الذاكرة) وغيرها

إذا أردنا أن نحصي ما لحّنه الأستاذ سهيل عرفة فالحديث بنا قد يطول ويطول، لهذا سلّطنا الضوء على أهم أعماله لما فيها من غنىً فني أثرى المكتبة السورية خاصةً والعربية عموماً فنال بجدارة وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2008 

فاز لحنه الجميل الذي غنته الطفلة أنذاك هالة الصباغ بالجائزة الأولى في مهرجان أغاني الأطفال بايطاليا عام 2000 والأغنية بعنوان (غنوا معنا يا أطفال العالم) من كلمات الشاعر عيسى أيوب

أورث الموسيقار سهيل عرفة موهبته الفنية لابنته الفنانة أمل عرفة، والتي بدأت مشوارها بالغناء وأثبتت قدراتها في مجال التمثيل كافةً لتصبح فنانة شاملة بدون منازع

توفي الموسيقار سهيل عرفة عام 2017 عن عمره يناهز 83 بعد صراع طويل مع المرض وما زلنا إلى اليوم نلقي على مسمع سوريتنا: صباح الخير يا وطناً،يسير بمجده العالي إلى الأعلى الأغنية التي غنتها ابنته أمل والفنان فهد يكن منذ اكثر من عشرين سنة وماتزال حيّةً في وجداننا إلى الآن