أمينة سينما حسيّة تُحاكي نضال المرأة السورية

آراء خاص فنون

 

 

 

 

يُعلن تتر النهاية موعد الرحيل، غادروا مقاعدكم وأغلقوا الصالة، وليرحل كلٌ إلى شأنه، واتركوا «أمينة» مع ألمها تصارع الأقدار وترسم خطوطها البيضاء على أديم أمها الأرض
لاشك أنها ممتنة للسينما على احتضانها، كما تشكر حضوركم الأنيق رغم تأخركم واستمرار غفلتكم

 

 

 

 

 

 

 

 

تلك هي رسالة «أمينة» العاتبة عليكم، فَانصرفوا عنها إليها وابحثوا عن أخواتها وعن ضمائركم وابنوا آمالاً ضيعتها حربكم وأطماعكم

لطالما كانت الحروب مغرية لصانعي الأفلام، فهي ضالة بحثهم عن المتعة والتشويق بما تحمله من حكايا وأسرار تجتذب المشاهد، لكن الفنان أيمن زيدان (1956) لم يأبه لكل مقومات النجاح المضمون، فَتمردت باكورته السينمائية «أمينة» (2018، 120د)، انتاج: المؤسسة العامة للسينما، على المألوف والمكرر، ليُعلن تعصبه للإنسان وتوجهه نحو تداعيات الحرب وإرهاصاتها على الضحايا قليلي الحيلة، دونما استعراضات المعارك وحُمى الحديد، وبترفعٍ عن نزاعات الأطراف وتعصب الآراء والميول، ليُحاكي بفيلمه نضال المرأة السورية (أمينة/نادين خوري) ومعاناتها وإشكاليات حياتها في ظل حربٍ أثقلت كاهلها ولم تراعي ضعفها وفقرها وطمع الجانحين بِقليل ما امتلكت، فارتمى ابنها (سهيل/جود سعيد) على سرير بيتها عاجزاً عن الحركة والنطق بعد إصابته، وغيّب الموت زوجها (أبو سهيل/محسن عباس) تاركاً لها ديناً كبيراً يخنق أنفاسها بجشع الدائن (أبو زهير/قاسم ملحو)، وينهش بأنيابه ضمير ابنتها (سهيلة/لمى بدور) للقبول بالزواج منه درءاً لِشر الحاجة والعوز

لم يعتمد أيمن زيدان في سيناريو الفيلم الذي كتبه بالشراكة مع سماح قتال سرداً حكائياً يحدد ويرتب مساره، كما لم يتكئ إلى حبكة قوية تجذب المخيلة، إنما قرر اللجوء إلى السينما الحسيّة عبر المجاز البصري وأنسنة فكرته وطرحها كما هي ضمن شخصيات واضحة بدت هي الفعل والصراع في الفيلم في غياب حدث محرك حقيقي الفاعلية يحفز لخلق تصاعد في الأحداث، مما جعل الفيلم يسير بشكل أفقي مستكين، فَأجاد بذلك تقديم الحالة المرادة والتي تتمحور حول الصمود والتمسك بالأمل والإصرار عليه حتى النهاية

لكن ذلك الخيار الدرامي يفرض على المخرج الاعتناء بالصورة السينمائية لفيلمه بكامل عناصرها والاشتغال بتكنيك عالي الدقة كي يتفوق في إنجازه الفني، فأجاد حيناً وتعثر مرات عديدة

تقوم الصورة السينمائية على ما تلتقطه الكاميرا من مواد بصرية والشريط الصوتي المرافق لتلك المواد ضمن سياق السرد العام للفيلم، وفي «أمينة» اعتنى المخرج بجمالية بصرية عبر كوادر طبيعية وزوايا تصوير متنوعة وأحجام لقطات مدروسة وأضاف تصحيح الألوان لمسة شاعرية ممتعة للعين، لكنه وقع في الإطالة الفائضة في بعض محاوره وأوضحها في مقدمة الفيلم، كما تعثر وبشكل واضح في صحة الراكورات بين لقطات بعض المشاهد وفي فرق القطع بين الليلي والنهاري أحياناً، وأوقعته رغبته الواضحة بتقديم تفاصيل البيئة الريفية بطبيعتها وأدواتها وخصائصها في ورطة جمع عدة عناصر يستحيل تلاقيها وفق تراتبية المواسم والفصول، الأمر الذي يدركه العارف بتلك البيئة، وأما عن أداء الممثلين وتكوين مشاهدهم؛ قدم المخرج بعض مشاهده بأسلوب مسرحي لا يناسب الشاشة الكبيرة وغير مقنع تبعاً للحالة المطروحة للشخصيات، وشاهدنا في الشريط عدة وقفات خيالية للشخصية الرئيسية ساهم بعضها في رسم ملامحها ودعم بنيتها الوجدانية، بينما أتي بعضها فائضاً عن الحاجة، تلك الشخصية التي أدتها الفنانة نادين خوري باقتدار ملفت تماهت بها مع عدة حالات عاطفية وتنقلت بينها بتمكن، وما كان منها أن تتعمد غمر باقي أداءات الممثلين لو أن السيناريو اعتنى بِبنية الشخصيات المساعدة بشكل أفضل، فَلم يستطع كل من الفنانين لمى بدور وقاسم ملحو تجاوز ذلك الضعف رغم الجهد الواضح في أدائهما، أما باقي الممثلين ظهروا بشخصيات مبتورة يغيب عنها الاشتغال، حتى أن حازم زيدان سجل بأدائه المرتبك وغير الجاد ثغرة واضحة في الفيلم

 

 

 

 

 

 

 

 

أما الشريط الصوتي، تباينت حواراته بين المفيد والداعم، وبين الفائض والمكرر دون مبرر أحياناً، وظهرت اللهجة المستعملة – لمحاولة عكس البيئة – غير محددة الهوية نتيجة عدم اتقانها من قبل الممثلين، نجى من ذلك لمى بدور وقاسم ملحو إلى حد ما، وعن الموسيقا التصويرية التي وضعها الفنان سمير كويفاتي جاءت مفعمة بالرهافة والشاعرية ودعمت الشريط الصوتي بجمالية سمعية تعشقت مع تيمة الفيلم ورؤيته البصرية، بينما ظهرت المقاطع الغنائية الريفية بصوت شخوص القرية في بداية الشريط غير مناسبة لحالة الحزن وألم الفقدان البادية في نساء القرية المتشحات بالسواد والحداد.

روت «أمينة» بعضاً من جور الأقدار والبشر عليها، ونقل أيمن زيدان رويها عبر السينما لائماً الحرب وطمع ضعاف النفوس وفساد الذمم، ورغم كل ما حصل تنتصر تلك المرأة وتبقى محصنة بالأمل والصمود، تشد نورجها بجبينها الشامخ متحديةً انكسارات الحياة