عمرو علي من الغيبوبة الى اليقظة : مشروع سينمائي واعد

خاص سينما فنون
ينتمي إلى جيل سينمائي فتي، استقى شغفه من مشارب الكبار فَنضجَ مُبكراً، موهبة مارست هوايتها باحثة مجربة، وانطلقت نحو الدراسة الأكادمية لصقل نفسها، سعى لاحتراف الفن سائراً على أساس متين، ومتطلعاً نحو تمكين أدواته لصنع لغته الخاصة
عمرو علي (1992) مخرج شاب، قادم من بيئة فنية أصيلة بطموح عالٍ واجتهاد مندفع، صنع 3 أفلام روائية قصيرة: 8 ملم ديجيتال (2008)، عيد ميلاد (2009)، وحوش العاطفة (2011)، لينتقل بعدها للدراسة الأكادمية في المعهد العالي للسينما في القاهرة، صنع خلالها فيلمين وثائقيين: نبيهة (2014)، ومضة (2014)، حتى تخرجه عام 2016، عرفته مواقع تصوير عدة أعمال درامية (عمر، أوركيديا، المهلب …)، صنع حتى الآن 7 أفلام قصيرة بين الروائي والوثائقي، منها فيلم تخرجه «الغيبوبة» (2016 ، 16 د)، انتاج المعهد العالي للسينما في القاهرة، بدعم من أفلام مصر العالمية، فاين أرت، صورة فيلمز، وشركة إيبلا للانتاج الفني، شارك الفيلم في أكثر من 15 مهرجان سينمائي دولي، وحصد أربع جوائز: أفضل فيلم قصير من مهرجاني السينما العربية في روتردام ومالمو، أفضل تمثيل من مهرجان الدار البيضاء للأفلام القصيرة، الجائزة الفضية من مهرجان واسط السينمائي
بعد مرور عامين على انتاجه، ونجاحه في المهرجانات الدولية، يتوفر الفيلم على موقع يوتيوب الذي يعد منصة بديلة للعرض في غياب اهتمام الصالات بعروض الأفلام القصيرة جماهيرياً، ولازال الفيلم يحصد النجاح عبر منصات إضافية، حيث عُرِض تلفزيونياً لأول مرة في برنامج «سينما بديلة» على قناة بي بي سي العربية، ليُحسب له أول عرض لفيلم سوري قصير في البرنامج الشهير الذي يحتفي بعرض و مناقشة أفلام قصيرة عربية وعالمية، لتؤكد تلك المشاركة على أهمية الفيلم واستمرارية استحقاقه للتحليل والدراسة
فرضية قاسية تحدث في مكان منحصر، قدمها المخرج بخصوصية وتركيبة فريدة عن سيناريو محكم، استطاع تمرير أفكاره بسرد بسيط، ورمزية شفافة، اشتغال سينمائي جاد وحذر، اختيار مدروس لزوايا التصوير، لقطات بأحجام ملائمة للفرضية بِدقة، الإضاءة هنا طبيعة في حيويتها وتفاعل درجاتها مع أحوال الشخصيات دون أن تشعرك بأنها عنصر معمول بهِ، تميز في إعداد الممثل لأداء شخصية سينمائية تحتاج لكثير من الغوص في الأعماق، وكثير من الانضباط الخارجي لتحقيق شرطها، إيقاع الفيلم حاضر بقوة تأملاته وطباق بين الشكل والمضمون، مونتاج محافظ على عنصر التشويق والجذب بإحكام طوال مدة الفيلم، ليقدم فيلم سينمائي قصير متجانس البناء، ومتكامل في عناصره الفنية
مع أولى لقطات تتر البداية ينبهك الفيلم إلى مزاج سينمائي عالي الدقة والحساسية، لقطة قريبة جداً لِشاب عشريني «يحيى أبو دان» يفتح نافذة وينظر بعيون مضطربة، سرعان ما تتوسع حدقتها مستكشفة الخارج، إنّه فيلم يستكشف ذوات الشخوص وما يختلجها من أفكار وأحاسيس، سينما إنسان تحاول التعمق أكثر لتنعكس أصدق، ينتقل ذلك الشاب ليجلس أمام الباب وسط كادر واسع بجدران رمادية كئيبة اللون، متشققة القشور، ساكناً، هادئاً، معتاداً على أصوت القذائف وأبواق سيارات الإسعاف، ثقل الوقت يمر بتراتبية مملة كما نقط سيروم طبي، تتوازى في تراتبيتها مع أنفاس كائن حي، إنّه الأب «أحمد الرفاعي» الغارق في غيبوبته بعد إصابته في الحرب، ليس لهُ سوى ولده يرعاه ويعتنيه، لنكتشف مبكراً أننا أمام سينما تستحصر صراعات نفسية وجدانية
مرغماً هو الشاب؛ يعيش يومياته بصمتٍ قاتل؛ مكابراً على غضبه وحنقه على هذا الحال المفروض عليه، بين غيبوبة والده وأصوات القذائف في الخارج وما تجود بهِ نشرات الأخبار على تلفاز يبدو متعباً ورافضاً لما يعرضه من أخبار شركاء الحرب السورية وتدخلاتهم بها، الحرب بما تحتويه من إرهاب ديني مسلح، وبحثٍ عبثيٍ عن حلٍ سياسي
يضيق الحال، ولابد من دخل مادي للعيش، لا حل للاستمرار سوى بيع أثاث المنزل لبائع متجول «فاروق الشامي»، ثمّة لوحة معلقة على الحائط لمعلم ديني، تبدو مناسبة للبيع، فالبلاد تحترق في أتون التطرف والتعصب، كما تبدو الملابس المدنية فائضة عن الحاجة في بلادٍ فقدت مدنيتها وتعسكرت. أخبار اللاجئين حاضرة في نشرات الأخبار، هجرة وشتات وبحث عن الأمان تحول إلى كابوس بين المخيمات وصعوبة الحصول على وثائق ورخص العبور، على الطاولة صورة لأمٍّ رحلت منذ مدة قصيرة، تاركةً لعائلتها مؤونة تعينهم على سوء الأحوال الاقتصادية، إنّها الأم في حضرة غيابها
يتابع الشاب حياته الروتينية مع غيبوبة والده، تضيق المعيشة أكثر، يفرُغ المنزل من أثاثه تدريجياً ويبقى الأب، التحامل والمكابرة أصعب من ذي قبل، إذاً لابد من إفراغ الغضب للخلاص، والتوجه لِمن يمد نار الحرب للقصاص منه، ذلك الدخيل على البلاد الذي أطال المكوث، أصبح مزعجاً كما حشرة تسرح في المنزل غير آبهةٍ بمآسي ساكنيه، لكن التخلص منها أمسى أكثر تعقيداً واحتياجاً للوقت، بطيئاً كمشهد “السلو موشين” في الفيلم؛ يقطعه صوت سعال الأب منبهاً لحياةٍ لازالت موجودة، و روحٍ تحتاج لمن يبقى بقربها ويهز جسدها دون هجرٍ أو فرقة حرب
يثقل ذاك التنبيه الابن، ويضاعف عجزه وقلة حيلته، يجعله يفكر بالرحيل والهروب من واقعه، ويصبح الخروج ضرورةً إذ لا طاقة للصمود أكثر، لكن ضميره لازال حياً، وصراعه بين البقاء والرحيل ليس سوى أفكار اقتحمت هواجسه مستغلةً لحظات ضعفه، لذا يقرر المكوث بجوار والده مقاسماً إياه سباته إلى حين، جسدان هامدان بصمت، انتظار على أمل بِمستقبل يحمل صحوة على واقع أفضل بعد تغير الحال وإعادة ترتيبه، الرحيل عن المكان الذي تنتمي إليه ليس دائماً حلاً للأزمة، ويبقى الانتماء للوطن سيد الحلول
يتابع المخرج الشاب رحلته الفنية، ويستكمل مشروعه السينمائي الخاص بمحاكاة الحرب السورية، فأنجز أحدث أفلامه «اليقظة» 2018 (لم يُعرض بعد)، ضمن مشروع ضمَّ 12 فيلماً قصيراً عن المرأة السورية في الحرب، المشروع منح تمويل انتاج لأفلام عدة كتاب ومخرجين سوريين، عبر منظمتي : مدني، البحث عن أرضية مشتركة، وبِدعم من الاتحاد الأوربي، وفي السياق نفسه، ينتظر شروط إنتاجية مناسبة للبدء بأول روائي طويل لهُ يحمل اسم «مرور» كان قد بدء التحضير له منذ سنوات، كما ينتظر الشروع بعدة مشاريع درامية مقررة مؤلفاً ومخرجاً، إلى جانب ذلك؛ يكتب وينشر باستمرار مقالات فنية يتطرق بها إلى مواضيع تعالج واقع السينما والدراما السورية، إذاً، ثمة مخرج واعد يقدم نفسه بقوة، ويصنع اسمه برصانة، مخرج سوري يُتوقع منه الكثير من الإثراء

 

Lascia un commento

Il tuo indirizzo email non sarà pubblicato. I campi obbligatori sono contrassegnati *