الدراما التاريخية بين المهلّب والخوري

آراء خاص

قامت الدراما السورية منذ عقود بعرض مختلف أنماط العمل الدرامي من الاجتماعي إلى الكوميدي والتاريخي  وإلى الفانتازيا ولا يخفى على الكثيرين مدى أهمية الرسائل المباشرة والغير مياشرة التي تتضمنها تلك الأعمال وأثرها على المتلقي، تلك الرسائل موجودة ضمن جميع الأعمال بما فيها التاريخي الذي يتجاوز فكرة التوثيق لمرحلة معينة

في فترة ما يسمى بالربيع العربي الذي جعل الوطن العربي ساحات شتاء دامٍ ، أفل نجم الأعمال التاريخية وانسحب ليفسح المجال لأعمال البيئة الشامية بتمويل خليجي، ربما لم يكن الوقت مناسباً لبث هكذا أعمال تتغنّى بالماضي وحد السيوف، إلا عملاً وحيداً “سمرقند” عام 2016 الذي ركّز على فكرة المقارنة بين الشاعر المسالم عمر الخيّام وحسن علي الصباح مؤسس ما يعرف بجماعة الحشّاشين وطبعا المقارنة كانت لأسباب تتعلق بما يجري على الساحة العربية 

إلا أن 2018 شهد عملين تاريخيين هما “المهلّب بن أبي صفرة” أحد الولاة الأمويين و” هارون الرشيد” ثاني وأشهر الخلفاء العباسيين. وأول الغيث قطرة، فعلى ما يبدو قد عادت شهيّة المنتجين للأعمال التاريخية والمكتوبة حسب مصالح مموّليها وعلى الأغلب سوف نشهد في الأعوام القادمة عودة للجواري والإماء على حساب أم زكي وأم عصام بطلات مسلسل باب الحارة وجاريات بشكل مغاير

بات من المعروف أن تلك الأعمال تموّل عربياً إلا أن أبطالها غالباً من الممثلين السوريين لقدرتهم الأدائية العالية و لجذب المشاهد السوري، قام بدور المهلب وهارون الرشيد كلٌّ من معتصم النهار وقصي الخولي. والسؤال الجدير بالطرح

هل هذا حقيقة ما يهم المشاهد السوري في أيامنا العصيبة وانحدار الدراما السورية، خاصة الاجتماعية منها ؟ وهل التغنّي بأمجاد الماضي التليد – مع التحفّظ على كلمة أمجاد – التي ملأت أفكارنا وكتبنا مراراً وتكراراً هو كل ما يهم المشاهد اليوم ؟

وإذا كان العمل الدرامي بمثابة وثيقة تعكس الماضي لكي نحلل الواقع من خلالها ونقرأ المستقبل ... أليس الأجدر بنا أن نوثّق مرحلة تاريخية مهمة هي أقرب إلينا لتنفي كل مغالطات مسلسلات البيئة الشامية ؟

وبالعودة الى التاريخ يخطر ببالي بطل سوري كان شاهد عيان لسورية الحضارية ودافع عنها بوجه الاستعمار الفرنسي، حارب بثقافته وعلمه دون أن يحمل السلاح. هو السياسي والمفكّر فارس الخوري الذي عين رئيساً للمجلس النيابي 1936 ورئيسا للوزراء 1944 كما اشترك بتوقيع ميثاق الأمم المتحدة نيابةً عن سورية كعضو مؤسس وعضواً في مجلس الأمن الدولي، كما أصبح رئيساً له في آب 1947

وفي ذات الوقت الذي كان فيه رئيساً للوزراء كان وزيراً للأوقاف الإسلامية وهو المسيحي، الأمر الذي جعل الصحف العالمية تحكي عنه آنذاك : إن مجيئه إلى رئاسة الوزراء وهو مسيحي بروتستانتي يشكل سابقة في تاريخ سورية الحديث بإسناد السلطة التنفيذية إلى رجل غير مسلم، مما يدل على ما بلغته سورية من النضوج القومي، كما أنه يدل على ما اتصف به رئيس الدولة من حكمة وجدارة

عمل درامي عن فارس الخوري، ليس لشخصه وحسب وإنما للمرحلة التي يمثلّها مستفيدين من وجود الأديبة الكبيرة كوليت الخوري، لتغني العمل بالوثائق التاريخية الهامة في كتابها “أوراق فارس الخوري” بجزأيه وبتفاصيل صغيرة عنه من ذاكرتها الشخصية ، تعرفها هي فقط كونها حفيدته

ربما نحن اليوم نحن بأمس الحاجة لأعمال درامية تعيد قراءة تاريخنا الحقيقي ، توثّق تلك المرحلة المهمة وتظهر للعالم كم أن لسورية باع طويل بمفهوم بناء الدولة العلمانية والمستمر إلى الآن

 

1 thought on “الدراما التاريخية بين المهلّب والخوري

  1. لماذا نربط التاريخ بالاعمال فقط في العصر الاسلامي
    الم نكن سريان كنعانيون فينيقيون ام مازلنا نتشدق بما كتبته وزارة التربية لنا عن الامويين والعباسيين والعثمانيين وتجاهلت تاريخنا من 12000 سنة

Lascia un commento

Il tuo indirizzo email non sarà pubblicato. I campi obbligatori sono contrassegnati *