في النصف الثاني من القرن الماضي كانت شركات الإنتاج الفني الموسيقي العربية مثل صوت الفن وفنون الجزيرة وغيرها تحتاج شهور طويلة لكي تنتج عمل فني أو “كاسيت”، من اختيار الأغنيات وتسجيلها وعمليات المونتاج ولف الشرائط، وحتى تصوير الكليبات بعد فترة الثمانينات والتسعينات، وكان عدد النجوم قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة لذلك كان يهرع الناس نحو محلات بيع الكاسيت والشرائط للحصول على أحدث الأغنيات، وكان الفنان يحتاج للصوت الجميل والحضور الفني المحبب فقط
أما في عصرنا الحالي وبعد سيطرة التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي على الكوكب وفي ظل غياب شركات الإنتاج، لم تعد تكفي العناصر السابقة، وبات النجاح والاستمرار أصعب بكثير، قد يعتقد الفنان بأنه يكفي أن ينشئ صفحة خاصة على “اليوتيوب” لينشر أغنياته وبهذا يحقق الشهرة، نعم قد تكون الشهرة ليست صعب كذي قبل، ولكنها الشغل الشاغل للجميع والحلم المشترك، فالكل يرغب في تحقيق الشهرة والمال معتقداً أن الغناء أسهل المهن وأكثرها كسباً، ولذلك ارتفع عدد المغنيين ليتفوق على معدلات التكاثر بالعالم العربي التي عالجها الطب بوسائل منع الحمل، لكن الفن لم يجد الحل بعد وهو ما يجعل الوضع كارثي
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل حتى نجوم الثمانينات والتسعينات لحقوا بالموجة الحديثة للأغنية الخفيفة التي يمكن أن تُصنع بثلاثة أيام، وتاهت بوصلة الفن فلا الجديد عرف كيف يمكنه الوصول لبر النجاح، ولا القديم عرف كيف يمكنه إعادة الأيام الخوالي
أول المعايير للنجم الجديد اليوم هي (الهوك) أو النغمة التي تأخذ أذن المستمع، ففي هذه الأيام تنتشر كل يوم عشرات الأغنيات وعدد ساعات اليوم غير كافية لمتابعة كل الأعمال، ولذلك بات المتسمع يبحث عن الشيء المميز والمختلف حتى ولو كان سلبياً، فمثلاً سعد لمجرد استطاع بلونه الحديث وابتعاده “بالستايل” عن معظم النجوم أن يحقق ذلك النجاح الكبير، وحاول الكثير من النجوم العرب تقليده ومنهم من سبقوه، ولكنهم فشلوا في ذلك، وحتى هيفا وهبي رغم اختلاف وجهات النظر حول فنها ولكن الكثيرات حاولن استنساخها، وحتى ولو كانت النغمة بسيطة إلا أنها قد تنجح بشكل حتى لا يتوقعه حتى الفنان نفسه كأغنية “شو حلو” لزياد برجي
ثاني المعايير الهامة هي (الابيليتي) أو القابلية عند الفنان بأدائه وبطريقته كي يصل إلى قلوب الجماهير، وهو ما يحتاج للكثير من الأموال والإعلان والتسويق الصحيح، ما يعتبر مكلفاً وشاقاً ولذلك يلجئ البعض للطرق الرخيصة مثل أصحاب أغنية “غول” أو يلجئ البعض للتصريحات الإعلامية والمشاكل الفنية ليحصل على الضوء الكافي ليحقق الشهرة بأسرع وقت ممكن، أو بعض النجوم الذين حققوا نجاحات في السابق وعجز فنهم على الاستمرار باتوا يعيشون على النجاحات السابقة وكأنها جرعات طبية لزيادة العمر
وثالثاً وربما الأهم هو (الماركتينغ) أو التسويق الفني الذي يجهله معظم نجوم العالم العربي، الفنان في أمريكا وأوروبا يخضع لدورات تدريبية ليتعلم كيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي وكيف يسوق لعمله الفني أو للمنتج الذي يقدمه للجمهور، فلا يكفي أن تطرح العمل الفني بل يجب أن تحاول بكل الإمكانات الوصول لأذن المستمع الذي لا يحتاج للنزول من بيته ليبحث عن أغنية جيدة بل كل الوسائل متاحة وهو في منزله، للأسف الفنان العربي لا يطور من وسائله كالنجم الغربي.
شكوكو وإسماعيل ياسين كانا أميين وبعد احترافهما الفن تعلما القراءة والكتابة واللغات، وحتى السيدة أم كلثوم كانت تجيد اللغة الفرنسية رغم تربيتها القروية، أما فناني اليوم رغم الأموال الطائلة التي تملأ حساباتهم المصرفية يبخلون على دفع المبالغ البسيطة للتسويق الصحيح أو لشركات تجارية لتدير حساباتهم ومواقعهم الالكترونية على الأقل حتى يتعلموا، وهكذا بات من النادر أن تنجح أغنية، وحتى لو حصل غالباً تكون لنجم مجهول لا يعرفه أحد كأبو الذي حققت أغنيته “3 دقات” أعلى نسب الاستماع، أو معن البرغوث في “هلا بالخميس”، وقد تنجح الأغنية دون أن يعرف الناس من هو المغني وثم يختفي للأبد، وكأنه عصر الخمس عشرة دقيقة، كما قال فنان البوب الأشهر آندي وارهول : سيكون بقدرة أي شخص أن يحظى بخمس عشرة دقيقة من الشهرة