إيام اللولو … السبعينات

آراء خاص

يدق العمر باب أواخر الستينات ولازال في القلب من ربيع الأيام مايكفي ليحمل الضحكة بين تجاعيد وجهي الكثيرة كحمل ثقيل جميل … تمر يداي على ألبوم الصور القديمة كما لو أني في العشرين أمرر أحمر الشفاه الوردي على شفتي بكل حذر، وفي كلتا الحالتين أشعر أني الجميلة الواثقة المستعدة دائمة للحياة … هكذا بدأت ناريمان حديثها معانقة ألبوم الصور مختلفة الأطوال والزوايا ذات الطيات الكثيرة منها ومنها اللماع كأنه التقط بالأمس … لايحبطها كونه ممتزج بلونين مختلفي الدرجة بين الابيض و الاسود، بل ينعش شرايين قلبها بالحياة ويبرق في عيونها كل الذكريات … يتخيل إليك لو شاهدت كل تلك الصور على مساحة الألبوم المغطى بقشرة بلاستيكية نصف مهترئة أن فيلما سينمائيا وثائقيا يخرج من كل طرف في الألبوم … تضع ناريمان يدها على صورة تجمعها بثلاث فتيات وشابين ثم تخفي بعض ملامح الصورة وتضحك بخجل … سألتها عن السبب فرفعت حاجبيها الصغيرين الأنيقين وقالت هل يعجبك مانرتديه؟ إنها السبعينات يا بني لم يبقى منها سوى بعض الصور والتسجيلات وذاكرة من تبقى حيا منها، تنفست بعمق وضحكت ثم قالت: كلما شاهدت صور تلك المرحلة أضحك كثيرا خصوصا عندما أرى ماكان يرتديه الرجال من ملابس عشوائية سيئة جدا، كلهم لبسوا الشارلستون ذو الخصر العالي والقمصان المزركشة ذات الياقات الطويلة جدا والإكسسوارات الفجة، بعضهم كان يترك شعره عند أطراف اذنيه على وجهه وبعضهم يطيل شاربيه، لقد كانت موضة الرجال غير مدروسة وغير جميلة أبدا على عكس النساء اللاتي تمتعن بأجمل الأزياء 

انظر الى صورتنا، قصات الشعر النسائية تلك نسميها كعكعة الشعر والشعر الهايش وقصة الأسد، أما للرجال فكان الشعر المنكوش الكثيف هو الدارج، أتذكر جيدا أول ظهور فعلي لأزياء الفينتاج … العتيق بيصير احلا  (الفينتاج أشبه بثورة في الموضة بداية السبعينات تحت شعار الفقر الأختياري لاتشبه اقتناء الملابس المستعملة كالستينات) تتابع ناريمان وتشير بأصبعها الى صورة إحدى قريباتها ، لقد كانت لمياء معجبة جدا بالراديو تستمع مطولا إليه خاصة مسلسل صابر وصبرية الذي كانت تبثه إذاعة دمشق طوال السبعينات والثمانينات (صابر وصبرية دراما إذاعية شعبية تمثيل الراحل تيسير السعدي الملقب شيخ كار الممثلين السوريين وزوجته الفنانة الراحلة صبا المحمودي أما النص فكان لوليد مارديني وقد قدم منه حلقات كثيرة في إذاعة لندن) كما كانت من أشد المعجبين ب اسمهان وفريد 

تعود لصورة لمياء وتقول لقد كانت ابنة خالتي متأثرة جدا بالموضة ترتدي القمصان المزرزرة وبنطلونات الجينز عالية الخصر كانت تلبس ماتريد فساتين وبلوزات بأكمام طويلة حتى الفساتين القصيرة التي تبرز الانوثة والتي كانت أمي تمنعني من ارتدائها إلا أنني ارتديتها مرتين وتضحك مطولا … تقاطع وتقول بدهشة وبكل فخر انظر الى هذه الصورة ألاتعرف هذه المرأة المشهورة إنها أم كامل إنها أنور الرائع ابن المطرب الكبير حسني البابا لقد شاهدت معظم مسلسلاته وأفلامه أيضا وأتذكر دائما فيلم غرام المهرج حضرته قبل يومين من خطوبتي، كنا نلتقي في السينما دائما مع الاصدقاء واحيانا نذهب مع الأهل، تلك الصورة لنعيم زوجي وخلفه أفيش (إعلان) فيلم غرام في اسطنبول وهذه الصورة لأفيش فيلم الفهد، لقد كنت أحبها كثيرا … إغراء كنا نتمنى ان نكون مثلها جميلات مشهورات لكن أمي قلما أحبت ذلك

إغراء فنانة سورية اعتبرها البعض أيقونة السينما السورية في السبعينات، أيقونة الإثارة، شاركت الفنان أديب قدورة دور البطولة في فيلم الفهد سنة ١٩٧٢ للمخرج نبيل المالح المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للروائي حيدر حيدر وظهرت في لقطة شبه عارية في الفيلم يقال انها بناء على طلب المخرج لجذب الجمهورالفيلم حقق جوائز قيمة عربية ودولية

انظر إنه نعيم زوجي ألا تعتقد أنه يشبه عبد الحليم حافظ لقد كان يحبه كثيرا هذه الصورة التقطناها مقابل دار السينما التي حضرت فيها عدة أفلام، بدوية في باريس وعروس من دمشق والعار والمليونيرة، لقد استأجرنا سيارة البيجو أكثر من مرة خاصة عندما كنا نتنقل خارج العاصمة، كان صوت مذياع السيارة ييدأ بالارتفاع عند خروجنا، خاصة عندما تفاجأنا الإذاعة بأغاني صباح وفهد بلان … أغنية ياساحر العينين للبلان كانت من أكثر الاغاني التي احبها (ألحان عبد الفتاح سكر) أما الصبوحة فكنت معجبة بصوتها حد الإدمان، القلعة، ست الكل، حلوة كتير .. صباح كانت تجي تزورنا بالشام كتير

تلتقط ناريمان أنفاسها لكنها تتعثر ببعض التعب وتقلب صفحة اخرى من الالبوم وتقول لايزال كل هذا الحماس وتلك الصور للسبعينات في مخيلتي كأنها الان … ومن أجمل اللحظات التي عشتها ولادة ابني مؤيد سنة ١٩٧٩ المقيم في دبي الان وطالما يتحدث معي ويذكرني بأغنية المطربة وردة الجزائرية (أوقاتي بتحلو) التي لحنها السيد مكاوي، الاغنية ومؤيد لهما نفس العمر تقريبا … ثم تنتقل ناريمان مجددا إلى صفحة من الألبوم وتقول هنا بدأت أشعر بالمسؤولية أكثرفكل شيء تغير حولنا والحياة أصبحت أكثر صخبا في الثمانينات

.يتبع

Lascia un commento

Il tuo indirizzo email non sarà pubblicato. I campi obbligatori sono contrassegnati *