الخنساء ومتحف الشمع

الناطور خاص

 

يصيح زعيم الحارة في احد مسلسلات البيئة الشامية بزوجته غاضباً طالباً منها كأساً من الشاي … فتهرع إليه محنية الرأس وهي تهمس جزعاً : أمرك ابن عمي … يا تاج راسي! ثم تهرول إلى المطبخ لتضع ابريق الماء على بابور الكاز، تميل برأسها على الحائط بينما تاخذ الكاميرا لقطة ً قريبة لوجهها (كلوز اب) لترينا مدى القهر الذي تعانيه … وهنا الطامّة الكبرى … فماذا نرى ؟

 شفاهاً وقد أحاطها ( الكونتور الموشوم ) بكل عناية و( تاتو) حواجب ينبع من ضفاف الجفون ليصب في الحوض الصدغي المتوسط
يحتار المشاهد فيما يرى … هل هو أمام دراما بيئة شامية وقائعها في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي أم عملاً من نوع الفانتازيا الهزلية الساخرة ؟
في الحقيقة هو يشاهد دراما تسخر من نفسها أولاً ومن جمهورها ثانياً
فقد بات من الواضح في الآونة الأخيرة خضوع معظم الممثلات السوريات لعمليات التجميل ( البعض منهن لم يصل الى سن الثلاثين ) ظاهرة أقل ما يقال عنها أنها انتشرت كعدوى بسرعة وباء الطاعون، دون أي مبرر …عمليات جعلت منهن لوحات جامدة خالية من التعابير الصادقة والمقنعة التي يتطلبها الدور في العمل الدرامي

فكيف للمشاهد أن يقتنع بأن تلك الفتاة الفقيرة أو التي تحيا حياة طبيعية، تنهض من سريرها صباحاً وهي بأبهى حلّة؟ صار بمقدور بعض الممثلات  أن ينهضن مباشرةً من السرير إلى مكان العمل دون الحاجة حتى إلى إلقاء نظرةٍ خاطفة في المرآة
أو كيف يُقنعنا مشهد لامرأةٍ في مسلسل تاريخي وشفاهها قد تلامس أنفها ( ع قد مو منفوخ ) وخدودها محشوة بالسيليكون كما لم تحشى مخدات ريش النعام من قبل ؟
سوف لن نستغرب بيوم من الأيام أن نرى الشاعرة الخنساء وهي ترثي أبناءها بدموع كريستالية تنهمر من عدساتها الملونة
،و رجاء لكل ممثلاتنا السوريات واللواتي ترك البعض منهن بصمة مميزة في العديد من الأعمال.. نريد أعمالاً فنية حقيقية لأناس حقيقيين يشبهوننا … لا تحوّلوا درامانا ذات التاريخ العريق إلى متاحف للشمع

* أي إشارة أو تلميح في كل ما يكتب الناطور ليست مجرد صدفة وتعتمد على شخصيات وأحداث واقعية، حقيقية، ومقصودة  


Lascia un commento

Il tuo indirizzo email non sarà pubblicato. I campi obbligatori sono contrassegnati *