سوزان حداد. صوت موهبة ورسالة

حوارات خاص موسيقى

أسرة التحرير

جمعت في صوتها أصالة الشرق وعراقة الغرب فجاء فريداً متميزاً يحمل بين نبراته عبق الفن الراقي الذي لا يختصر هويةً ولا يعرف حدوداً، صوت يسمو بالروح فيجعلها تحلّق في فضاءات بعيدة حالمة انها مغنية الأوبرا السورية سوزان حداد التي جعلت من صوتها وفنها رسالتها الإنسانية

 

في حوار خاص حدثتنا عن البدايات وعن قرارها احتراف الغناء فقالت: منذ الطفولة كان الغناء بالنسبة لي فعل غريزي، أتذكر دائماً كيف كنت أعتلي سطح المنزل لأغني بمفردي إلا أن اكتشف والديّ موهبتي وباشرت بدراسة أصول الغناء في سن العشرين حيث بدأت بالغناء الشرقي وغنيت أعمال لأسمهان وأم كلثوم وفيروز ، لكني أحببت ان أدعم موهبتي بدراسة أكاديمية  فتقدمت للمعهد العالي للموسيقا بإدارة المايسترو الراحل صلحي الوادي فكنت الوحيدة التي تم قبولها بصف الغناء لذاك العام

ورغم أن رغبتها كانت الغناء الشرقي، إلا أنها توجهت الى الغناء الأوبرالي، توضح سوزان: لم يكن في المعهد في ذاك الوقت اختصاص غناء شرقي وقد وجد أساتذة المعهد العالي للموسيقا (صلحي الوادي والكثير من القيّمين) إضافة إلى قائدي أوركسترا وضيوف كثر أن صوتي هو صوت نسائي نادر ذو طبيعة متميزة (ألتو ميزو سوبرانو) مما دفعني للغوص في الغناء الأوبرالي، هذا الفن الذي يأخذك لمساحات سماوية لا يصلها إلا كل من تبّحر في هذا الفن 

 

جهد وتعب ودراسة وتمرين وخبرات، وعن الخطوات التي اتبعتها لتكون مغنية أوبرا متمكنة من كل تفاصيل هذا الغناء الصعب تقول سوزان: تخرجت عام 1999 من المعهد العالي بدمشق وفي عام 2002 درست في مدينة ماستريخت بهولندا لمدة خمس سنوات وحصلت على الماستر بعلم الصوت وماستر بغناء الأوبرا خلال وجودي في أوروبا شاركت في الكثير من ورشات العمل وتابعت الدروس الخاصة على نفقتي، التقيت بايليانا كوتروباش في مدينة نيس وعرّفتني على فيوريتا كورتيز وكلا المغنيتين كانتا تشاركان الأوبرالي العالمي لوتشيانو بافاروتي كأصوات أوبرالية نسائية أينما حلوا. كما التقيت بالموسيقار العالمي ريكاردو موتي الذي أشاد بصوتي وأعتبره من أجمل الأصوات. كل هذا شجعني للغوص في الغناء الأوبرالي إيماناً مني بأن لصوتي رسالة دون أن أنسى أهمية دعم موهبتي بالعلم

 

وعن صعوبة الدمج بين الغناء الشرقي والأوبرالي تضيف: أحب أن أوضح فكرةً مهمةً وهي أن الصوت هو الآلة الموسيقية الخاصة بالإنسان، فكما العازف يهتم بآلته الموسيقية الخاصة ويتدرب عليها بشكل متواصل، كذلك الصوت الذي هو الآلة التي تحملها بجسمك. لهذا يمكن الدمج بين نمطي الغناء اعتماداً على تقنية الصوت (التكنيك ) واستخدامها بشكل صحيح ومتوافق بين مخارج اللفظ ومخارج الصوت، طالما تم هذا التوافق نستطيع أن نقدم أعمالاً أوبراليةً لقصائد عربية، وتضيف، بالمناسبة أنا لم أدرس الغناء الشرقي وإنما درست العزف على آلة العود، ولكن أفتخر بشهادة شيوخ التجويد الذين سمعوا غنائي الشرقي فأذهلتهم طريقتي التي لا تختلف عن التجويد، متميزةً عنهم بموضوع النَفَس 

 

أما عن الحالة الفنية اليوم في العالم العربي فتقول سوزان : أنا لا أقيّم أي فن، فكما أنني أستمع لمشاهير الغناء الأوبرالي العالميين، كذلك أستمع لعمالقة الفن الشرقي كعبد الوهاب وفريد الأطرش، كما أنني أستمتع بما يقدمه الكثير من الفنانين أبناء الجيل الحالي، حتى الأغاني الخفيفة أستمع إليها  

 

الفنانة سوزان حداد وبالرغم من تجوالها الدائم في أوروبا وأميركا اللاتينية إلا انها لم تفكر أبداً بالهجرة والاستقرار خارج سورية : عدت إلى دمشق عام 2014 بعد رحلتي للنمسا واسبانيا ولم أغادرها، بالرغم من إقامتي لفترات طويلة في أوروبا وبناء صداقات كثيرة مع أوروبيين، إلا أن شعور بالغربة ظل يلازمني، هناك ينظرون للأمور بغير منظورنا، بكل بساطة  أنا أحب بلدي وشرقيتي

 

كل من يستمع الى سوزان حداد يدرك أنه أمام حالة فنية وصوت لا يتكرر رغم حضورها الفني القليل نسبياً على الساحة الفنية وندرة ظهورها على وسائل الاعلام العربية : الاختيارات قليلة بالنسبة لمغنيي الأوبرا، وحفلات الأوبرا قد لا تتعدى الحفلة الواحدة في العام ، أما في مجال الغناء الشرقي فلدي قيد التحضير بعض المشاريع والأعمال جديدة، منها إعادة تسجيل بعض الأعمال الموسيقية النادرة بالإضافة لأغنية من كلماتي وألحاني وقد دمجت فيها الصوتين الشرقي والأوبرالي بعنوان إلك بغني ستصدر قريباً 

 

 

 

وتختم الفنانة سوزان حداد الحوار الخاص بمجلة أورنينا بهذه الكلمات: تكمن الصعوبة في بلدنا بالانتاج والترويج لأسباب أجهلها ولافتقاد روح العمل الجماعي، هذه الروح التي كانت من أهم عوامل نجاح الفنانين الكبار في الزمن الماضي أمثال فيروز وأم كلثوم وأسمهان . لهذا وكطائر الفينيق سأنفض الغبار عني لتروني بأعمال جديدة إيماناً مني دائماً بأن لصوتي رسالةً إنسانيةً