أن يطل هلال القمر في السماء لإعلان العيد يوم عيد ميلاد قمر في الأرض؛ تلك ليست مصادفة عابرة، إنّها إشارةٌ تُقارب الأساطير، رسالةٌ بِالنور مكتوبة لِتقول أن تلك المرأة التي أكملت عامها الأربعين قد بدأت اليوم هلال الصبا والسحر
تحتفل الشاشة السوريّة اليوم بِعيد ميلاد قمرها، الفنانة الكبيرة «قمر خلف»، الممثلة التي ارتبط اسمها بالموهبة المتفردة والنجاحات المتميزة والجمال الآسر
وفي عيد ميلادها نعود بِشريط الذاكرة إلى بداياتها وألمع محطات مسيرتها الفنية الثريّة بالتفوق والتألق
هي ابنة مدينة «حلب» من أصول تعود للمنطقة الشرقية، وُلِدت يوم 5 يونيو 1979، درست الصحافة في جامعة دمشق، لكنها لم تعمل بِاختصاصها الأكاديمي، فَشغفها بِفن التمثيل كان أقوى وجعلها تتجه لتلك المهنة، فَحققت أول مشاركة لها في الجزء الثالث من مسلسل «حمام القيشاني» 1998 للمخرج الراحل «هاني الروماني» بِشخصية «لميس»، لتتوالى لاحقاً مشاركاتها في العشرات من الأعمال الدرامية السورية مثل: سفر، جلد الأفعى، عودة غوار، الجمل، تلك الأيام، سحر الشرق، أحلام لا تموت… وغيرها
أثبتت خلف نفسها في تلك الأعمال كَممثلة واعدة ومتمكنة وصاحبة حضور طاغي، فَبدأت بعد تلك الأعمال مرحلة جديدة في مسيرة الفنانة، فأصبحت تولى إليها مهمة أداء شخصيات أصعب وبمساحات أكبر وبعضها بتركيبات خاصة لا تناسب سوى ممثلة ذات ثقل فني عالي، فأبدعت في أداء شخصيات وازنة في: خلف القضبان، نزار قباني، الانتظار، أعيدوا صباحي، رسائل الحب والحرب، زهرة النرجس، زمن العار، تحت المداس… وغيرها من أنجح الأعمال التي نقلت الفنانة إلى مستوى نقدي وجماهيري عالي وأعطاها مكان خاص بين نجمات الصف الأول في سوريا
ولعل شخصية «وداد» في مسلسل «طريق النحل» 2009 للمخرج «أحمد ابراهيم أحمد» كانت هي العلامة الفارقة في درب خلف، فالشخصية بِصعوبتها وشروطها وثقلها جاءت بِأداء رفيع للممثلة، مما أكد على قدراتها الإبداعية الكبيرة ونجوميتها المستحقة
بدأت بعدها خلف حالة فنية خاصة تتخذ من دقة الاختيار وارتفاع شروط قبول العروض المقترحة شعاراً لها، وهو ما بدا واضحاً في تصديها لشخصيات مختلفة عما قدمته سابقاً وتبدو شخصياتها في مسلسلات: صبايا2، بنات العيلة، المفتاح، نساء من هذا الزمن… خير مثال على ذلك
قمر خلف أكثر من ممثلة ذات موهبة كبيرة وأداء احترافي، فالفنانة السمراء خضراء العينين طويلة القوام؛ تمتلك ميزة فريدة تتفوق بها على سواها من نجمات الصف الأول، هي موهبة مضافة ومقدرة استثنائية على أداء اللهجات المتنوعة بِنطق سليم وبِكامل الاقناع والصدق، وهو ما تمّ التنبه له من قبل المخرجين فَاسندوا إليها أداء شخصيات خاصة ومنها البدوية في «صراع على الرمال» والعراقية في «هدوء نسبي» والساحلية في «خلف القضبان» والخليجية في «عرب لندن» وحتى اليهودية العبرية في «عائد إلى حيفا» فضلاً عن العديد من الأعمال التاريخية التي أبدعت في أداء شخصياتها باللغة العربية الفصحى ومنها: الأمين والمأمون، أبو زيد الهلالي، خيبر … ومن المؤكد أن تلك الميزة هي ما فتح لها باب العروض العربية التي تألقت في أعمالها واكتسبت شعبية دولها بِاستحقاق، فهي «سلطانة» في المسلسل الأردني 2006 الذي حمل نفس الاسم للمخرج «إياد الخزوز»، وكررت بعده تجربة التمثيل في الدراما الأردنية والتي كان أحدثها بطولة مسلسل «وعد الغريب» 2016 للمخرج «حسين دعيبس»، وهي الحسناء البدوية «مزيان» في المسلسل المصري «زهرة برية» 2009 للمخرج «عزمي مصطفى»، بالإضافة إلى العديد من الأعمال العربية المشتركة التي شاركت ببطولتها
لاشك أن ممثلة بحجم «قمر خلف» تُشكل خيار جيد لأي مخرج يبتغي أداء سليم وعالي، وهو ما كان في تعاملها مع أهم وأكبر المخرجين السوريين والعرب ومنهم: حاتم علي، باسل الخطيب، رشا شربتجي، الليث حجو، شوقي الماجري… وغيرهم من المخرجين الذين قدموا لها أدواراً متنوعة بين الاجتماعية والتاريخية والكوميدية
على زخامة وغنى رصيدها الدرامي، إلا أنّ «قمر خلف» مقلة في السينما، رغم أنّ الشروط الخاصة للتمثيل السينمائي متوفرة لديها بجدارة، ويمكن عذر القلة بِالمشاكل العامة والمعروفة للسينما السوريّة من ضعف ومحدودية الانتاج وخصوصية ونوعية الأفلام المنتجة، ليقتصر رصيدها في السينما السوريّة والعربية على أفلام: الكرسي 2002، حادثة على الطريق 2007، للعدالة كلمة أخيرة 2009، الخوافي والقوادم في نصرة الإسلام 2009، روادج 2010، الطيب والخناجر 2012
رغم تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا في الأعوام السابقة؛ إلّا أنّ «قمر خلف» رفضت مغادرة بلادها وقالت كلمتها الشهيرة:” الوطن ليس بيتاً أبيعه وأشتريه متى أشاء”
ورغم قلة أعمالها في الأعوام السابقة بسبب انشغالها بتربية ورعاية أولادها؛ غير أنّها أثرت أن تشارك في دراما بلدها على ما أصاب الدراما السوريّة من ضعف وشح، وتشكل مشاركتها في بطولة مسلسل «مقامات العشق» 2019 للمخرج «أحمد ابراهيم أحمد» عودة قوية لها بعد أدائها الساحر في العمل وحضورها الذي أضاف للعمل جمالية خاصة
تبدو النجمة الفاتنة اليوم وقد أكملت عامها الأربعين بكامل الحيوية والجمال، كما هي بكامل النضوج الفني والتألق الإبداعي، وللمستقبل موعد معها في نجاحات كبيرة ولنا موعد معها في تلك النجاحات ومن أسرة أورنينا تهنئة خاصة بعيد ميلادها وأمنيات بِدوام الصحة والسعادة والنجاح