ليسَت فقط النّدبات والجروح ما تخلّفها شظايا الحرب بل هناك شظاياأعمق تنفجر وتنتشر داخل كل إنسان، حيث تكثر التحديات والصعوبات في الحرب مخلفة حالاتٍ نفسية عميقة
هذا ما تناوله مسلسل مسافة أمان، تأليف الكاتبة إيمان سعيد، إخراج الليث حجو إنتاج إيمار الشام وبطولة النجوم كاريس بشار، سلافة معمار، ندين تحسين بك، قيس الشيخ نجيب، عبد المنعمعمايري، وفاء موصللي، حسين عباس، هيا مرعشلي، إيهاب شعبان، لين غرة
يشكل المسلسل عودة قوية مميزة للسيناريست إيمان السعيد بعد غياب أكثر من تسع سنوات عن آخر عمل منجز لها في الدراماالسورية (سحابة صيف إخراج : مروان بركات)، العمل اجتماعي معاصر ذو طابع تشويقي نتابع خلاله حكايات عدة شخصيات تتجنبالعديد من الخسارات وتسعى للهروب نحو المجهول أملاً بالخلاص
يرصد السيناريو الانهيار الاجتماعي والأخلاقي المتزامن مع هذهالحرب من ( تشرد، فقر، انعدام الأمان)، فيبدأ العمل بصوت الراوية (شكران مرتجى) التي تسرد ما يلي: كل يوم بتفيق من النوم وفي بقلبك غصة، ليش فقت وصار معي هيك، ما في شي بيصير صدفة، هي سلسلة أقدار متشابكة بيناتنا، بحياتك فكرت أنو توصل معك بأنك تدعم الجريمة كرمال شخص بتحبه، وهاد الشخص يلي بدك تعمل جريمة لأنك بتحبه يا ترى إنت بتحبه عنجد، عايشين بنفس المكان وكل واحد عم يغني على ليله، وبفكر إنو ما دخله بالوجع اللي عم يصير للتاني
كل هذا يهيئ المشاهد ويضعه في مزاج العمل بطرح جدلية تبادل الأدوار بين الضحية والجلاد في ظروف متباينة، ويتركك أمام أسئلة تخلق الدهشة في حبكة معتمدة على عدم التوقع لما هو آتٍ، إلا أنها تتخطى مسافة الأمان بين المتلقي والحكاية مورطة إياه عاطفيا مع جميع أبطال الحكاية وهنا تكمن خصوصية النص بخطوطه الدراميةالسورية جداً
كعادتها سلافة معمار التي تؤدي شخصية (الدكتورة سلام) قدمت مشهداً بفائض من المشاعر بعدما فقدت زوجها لأنها رفضت الخضوع لخيارين أحلاهما مُرّ وهنا تعترف سلام بالقول “في فرق بين الجرحوالندبة” متحدثة عن فاجعة الموت وعدم تقبله، بأداء احترافي وعفوي مقنع فنعلم حجم هذه المعاناة فعلاً
أما سراب شخصية ( كاريس بشار ) تمثل 99% من نساء سوريااللاتي تحولن إلى رجل وامرأة في آنٍ معا من حيث المسؤوليات التي تحملها في كل تفاصيل الحياة، فيصبح الانتظار طقساً مرهقاً من طقوس حياتها اليومية لذلك الحلم وهو السفر إلى زوجها ولم شملالعائلة، كما يتطرق العمل إلى خلفته الحرب في نفوسنا المتعبة من فقدان الطاقة المحفزة والشغف في شخصية يوسف (قيس الشيخ نجيب) رسام ومصور فوتوغرافي يبحث عن مسافة أمان الخاصة به بعد فقدانه حماسه للعمل بفعل ملاحقة اشخاص مجهولين له، ووفاة خطيبته وشعوره بالذنب تجاهها
الخوف والقلق رفيق كل الشخصيات والجميع مشغول بخلق مسافة أمان الخاصة به مسافة تحميه من كل الأخطار المحيطة سواء الحرب أو الحب، العلاقات الإنسانية والخسارات والخذلان ها هي الدراماالتي تشبهنا بعد الحرب، فهناك ما هو أخطر من ضجيج الحرب
تشارك الموسيقا التصويرية البطولة فهي طاغية على روح العمل بما يتناسب مع النص وطريقة التصوير والإخراج. المؤلف الموسيقي (إيادالريماوي ) صنع هوية موسيقية تميّزه، وكلمات تلامس أعمق احتياجات الإنسان وتحاكي واقعه من خلال الشارة التي كانت على طريقة الدويتو بينه وبين الفنانة (لينا شاماميان) وهو أول تعاون بينهما، تجيبنا آخر الكلمات في الشارة “مع إنو المسافةبتحمي من رصاص الحرب بتضلي بتصيبي بالقلب” عن السؤال الكبير الذي يجسد عنوان العمل هل مسافة الأمان التي هي مسعى الجميع هي فعلاً خلاص أم وهم وجدناه لنقنع أرواحنا بالأمان