الإنسان ابن بيئته، تُقوِم فطرته وتُشكِل شخصيته وتُحدد اهتماماته، هي قاعدة عامة أساسية في العالم البشري، وتبدو تلك القاعدة مؤكدة تماماً حين يتعلق الأمر بالخلق والوجود ضمن بيئة فنية
هو مخرج شاب ينتمي لعائلة فنية عريقة، ولد وكبر ضمن جوٍ إبداعي أصيل، نهل من مشارب رواد السينما والفن في سوريا، فَكان من الطبيعي أن تتفتح بصيرته مبكراً على سحر الضوء واللون، وأن يعشق الصورة بجمالية تكوينها وسمات تشكيلها
إنّه «يزن أنزور» المخرج الشاب الذي تألق وتميز بين مخرجي جيله بما امتلكه من ثقافة فنية عالية وشغف عتيق بالسينما واجتهاد جاد ومسؤول لصناعة اسم يليق بتاريخ عائلته، فهو نجل المخرج «نجدة أنزور» صانع أهم وأكبر الأعمال الفنية السورية والعربية في الدراما والسينما، وحفيد المخرج «اسماعيل أنزور» أحد أهم الرواد المؤسسين للسينما السورية، انتماؤه لتلك العائلة الشركسية المتأصلة بالإبداع والتميز؛ أدى إلى تولعه بالسينما منذ صغره، شاهد الكثير من الأفلام وتعلم منها وعنها، درس الإعلام في الجامعة الأميركية في بيروت، ولكنه لم يكمل الدراسة، عمل بالديكور الداخلي مع والدته المهندسة «مي قوشحة»، كما عمل مصمم غرافيك ورسام كاريكاتير، انشغل بالعمل في التجارة لعدة سنوات، ولكن هوايته المرافقة له منذ الصغر في التصوير والإخراج؛ لطالما كانت تعيده إلى الفن
أنجز عدة أفلام هواة قصيرة منذ عام 1994 بواسطة كاميرا الفيديو المنزلية، كانت تجارب بسيطة لِفنان هاوٍ يحمل موهبة واعدة وحلماً كبيراً، ولتحقيق الحلم كان لابد من صقل الموهبة وإثرائها بالتعلم الأكاديمي لاكتساب المزيد من المعارف والتجارب العملية، مما دفعه للالتحاق بدورة دبلوم علوم السينما وفنونها التي تقيمها المؤسسة العامة للسينما سنوياً، درس وتخرج منها متحصلاً على المرتبة الأولى على دفعته، لينتقل إلى المرحلة العملية ويصنع أول أفلامه السينمائية «خبز» والذي حصد عنه جائزة أفضل إخراج من مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة بِدورته الرابعة 2017 في دمشق، والذي كان بالشراكة مع زميله “عبد الله السيّار” الذي لعب بطولته أيضاً
تولى بعدها إخراج مهرجان «شموع العطاء» ويقدم ضمنه فيلمه الثاني «الله معنا» من إنتاج مجموعة «همسات»، وكان حصوله على جائزة أفضل إخراج قد منحه أحقية الحصول على منحة إنتاج المؤسسة العامة للسينما لِأول أفلامه الاحترافية «تاتش» والذي تميز بِه بابتعاده عن السائد والمألوف من الأفكار والمواضيع التي تطرقت للحرب السورية بأن توجه نحو قضية سطوة وتأثير السوشال ميديا على حياتنا مقدماً فيلماً يسلط الضوء على الموضوع ضمن قصة بسيطة وبِأسلوب ناقد وساخر، وبالإضافة إلى أفلامه الثلاث؛ أخرج إعلاناً لشركة طيران «أجنحة الشام»، كما صمم عدة بوسترات أفلام لعدد من المخرجين، وعمل مع والده كَمخرج مساعد في فيلم «رد القضاء» وكَمخرج منفذ ومهندس ديكور وفني غرافيك في فيلم «رجل الثورة»، فضلاً عن مشاركته في إخراج الفيلم الروائي الطويل «حنين الذاكرة» مع ثلاثة مخرجين آخرين
وفي أحدث أعماله؛ أنهى مؤخراً تصوير مشاهد فيلمه الروائي القصير «جوري» وعنه كان لأورنينا حوار خاص معه. عن مضمون فيلم جوري والرسالة المرجوة منه يقول يزن: فيلم جوري هو حكاية سينمائية روحانية تحكي قصة فتاة صغيرة حوصرت في منطقة حرب محاطة بالجماعات المسلحة. كتبت الفيلم منذ ثلاث سنوات، وهو الفيلم الأغلى على قلبي واعتبره نهاية مرحلة في مشواري الفني، والفيلم مهدى للعائلات السورية التي عانت من تلك الحرب والابادات الجماعية وهو فيلم قاسٍ وفيه العديد من المواقف الإنسانية الصعبة وفيه بعض التشويق والخيال
جوري من بطولة الممثل اللبناني بير داغر والممثلة السورية روبين عيسى، والطفلة شهد الزلاق، يدفعنا للتفكير بالمبرر المنطقي لوجود ممثل لبناني في حكاية حرب سورية، إلا أن جواب يزن عن تساؤلنا هذا جاء ذكياً ومنطقياً حيثُ يقول: عندما أكتبُ أفلامي فإنني أضع تصوراً معيناً للشخصيات التي ستأخذُ الأدوار والممثل بيير داغر لديه كاريزما خاصة وحضور وأداء قوي تناسب مع تصوري للشخصية وقد لبى دعوتي له للدور رغم الإمكانيات المحدودة، وهو ممثلٌ دائم الحضور بالدراما والسينما السورية، وقد كانت معنا النجمة روبين عيسى التي قامت بأداءٍ كبيرٍ كعادتها وقد أضافت الكثير للفيلم بإحساسها العالي، أما الطفلة شهد الزلاق فقد قامت بأداء رائع بالنسبة لعمرها وهي مشروع نجمة كبيرة في المستقبل، وقد شارك بالتمثيل الفنان محمد نظام رعد ومجد الزند واحمد حبش وعلي إبراهيم
وعن الصعوبات التي واجهته أثناء تصوير الفيلم أضاف: الفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وهو فيلم قصير احترافي ورصدت له المؤسسة مشكورة ما يكفي لإنتاجه، ولكننا عانينا من ظروف الطقس وبعض المشاكل الإنتاجية والتقنية ولكن بإذن الله استطعنا أن ننجز العمل بالشكل المطلوب
أما عن أعمال يزن المستقبلية فهو يخطط للعديد من الأعمال التي لم يُفصح عنها، ولكنه اختصر بقوله: أرجو أن اتمكن من تقديم سينما ودراما جديدة الأفكار ومواكبة للتطور التقني والفكري وتليق بالمشاهد العربي، وأتمنى أن تصل افكاري وإحساسي للجمهور وأعده بأن أبذل كل جهدي للأقدم جودة ورقي بالطرح تخدم الثقافة السورية
يُذكر أن الفعالية السينمائية القادمة لمشروع مدى الثقافي هي عرض مجموعة من أفلام يزن وهي : خبز، الله معنا، تاتش