رحلة غنية ومثيرة تقدمها المهرجانات السينمائية حول العالم لِعشاق الفن السابع المرصود بِسحر الشاشة الكبيرة، فهي المقصد والسبيل لاكتشاف كل جديد في عالم السينما المدهش المتجدد، والفرصة الأمثل للتلاقي الخلاّق والتعرف على ثقافات الشعوب وطبائع حياتهم وتفاعلاتهم
وللمنطقة العربية زخمها من تلك المهرجانات التي تحتضنها عواصم وكبرى مدن بلدانها، وتحظى باهتمام صناع الأفلام والجمهور السينمائي المتشوق لكل جديد، ولكن للمهرجانات السينمائية في المهجر أهميتها وقيمتها الخاصة، فهي جسرٌ للعبور الثقافي بين سينما الوطن وجمهورها من المغتربين والأجانب، وتعد مؤشراً لمدى اهتمام العالم العربي بِصورته الحضارية بين الأمم، كما توازي -وقد تتفوق- في فاعليتها الجهات الرسمية من سفارات وقنصليات ومؤسسات دبلوماسية في الوصول إلى جمهور غير اعتيادي وتقديم ثقافة وحضارة وطرائق تفكير وعيش الشعوب العربية
وفي طليعة تلك المهرجانات يأتي مهرجان «روتردام للفيلم العربي» في هولندا الذي يُعتبر أول مهرجان سينمائي عربي في أوربا تتولاه جمعيات أهلية عربية بالكامل، أسسه وتولى رئاسته الناشط الحقوقي التونسي المقيم في هولندا «خالد شوكات» عام 2001، واستطاع منذ انطلاقته استقطاب أفضل الأفلام العربية واستضافة ألمع صناعها، ليصبح اليوم ضمن قائمة أهم المهرجانات السينمائية التي يرغب صناع الأفلام العرب بالمشاركة وعرض أفلامهم ضمن دوراتها، ويسعى المهرجان الذي تنظمه مؤسسة (وير ارت اند كالتر) في دورته لِهذا العام 2019 لاستكمال مسيرة نجاحه وتميزه واعداً جمهوره بِدورة ثرية بمستوى أفلامها وتنوعها بالإضافة إلى فعالياته المستمرة طوال العام، وكانت إدارة المهرجان قد أعلنت عن قائمة الأفلام المشاركة في مسابقات الدورة القادمة (من 27 حتى 31 مارس الحالي) والتي ضمت 20 فيلم روائي طويل و5 أفلام قصيرة، وتحضر السينما السورية بها متمثلة بِالفيلمين الروائيين الطويلين «قماشتي المفضلة» و«مسافرو الحرب» والفيلم الروائي القصير اليقظة
يُعرض الروائي الطويل «قماشتي المفضلة» (2018، 96د) للمخرجة «غايا جيجي» (1979) خارج المسابقة الرسمية للمهرجان، وكان الفيلم قد شارك في عدة مهرجانات دولية، أهمها عرضه العالمي الأولى ضمن المسابقة الرسمية «نظرة ما» في الدورة 71 لمهرجان كان السينمائي، كما لاقى الفيلم اهتماماً وحضوراً لافتاً في عروضه الجماهيرية التي احتفت بها صالات عدة مدن أوربية، ويروي الفيلم على خلفية بداية الحراك الشعبي في سوريا 2011؛ حكاية «نهلة/منال عيسى» التي تعيش مع والدتها وأخوتها في العاصمة دمشق وتعمل في متجر لبيع الملابس، تستعد لزواج مرتب من «سمير/سعد لوستان» الشاب المقيم في أمريكا، لكنه يختار أختها الصغرى بشكل غير متوقع، مما يشعرها بالضيق والملل، فَتسعى لاكتشاف ذاتها والبحث عن شخصيتها وإجابة لما يريد جسدها؛ عبر التسلل لمراقبة عالم الجنس عن قرب في بيت دعارة تديره جارتها مدام جيجي/علا طبري. الفيلم مستقل من انتاج مشترك: سوريا، تركيا، فرنسا، ألمانيا، وسيعرض ضمن المهرجان يوم 28 مارس الحالي
أما الروائي الطويل «مسافرو الحرب» (2018، 108د) للمخرج «جود سعيد» (1980)، انتاج: شركة «الأمير» اللبنانية، فهي المشاركة الثالثة له في المهرجانات السينمائية بعد عرضه العالمي الأول في الدورة 21 من مهرجان أيام قرطاج السينمائية في تونس، حصد منه 4 جوائز مرموقة، ومشاركته مؤخراً في الدورة الثالثة من مهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية في مصر، حصد منه جائزة أفضل فيلم عربي، ويروي الفيلم حكاية سوريين يلهثون وراء أحلامهم المشتهاة، صانعين الفرح والحب في آتون هذه الحرب المجنونة، وذلك عبر قصة «بهاء/أيمن زيدان» وهو موظف في شركة الكهرباء بمحافظة حلب على مشارف تقاعده، يخطط للحصول على تعويض نهاية خدمته والعودة للاستقرار في قريته الريفية البعيدة، رغم أن الحرب السورية مستعرة، ومعركة تحرير حلب في أوجها، يخوض مع مجموعة من المسافرين غمار رحلة طريق مليئة بالأحداث والمواقف المفاجئة لحد العبث أحياناً. يُعرض الفيلم ضمن المهرجان يوم 27 مارس الحالي
يشارك الفيلمان في الدورة القادمة مع أفلام لاقت نجاحاً وتميزاً، ومنها فيلم يوم الدين، مفك، تراب الماس، صوفيا … وغيرها
وفي مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، يشارك الروائي القصير «اليقظة» (2018، 20د) للمخرج «عمرو علي» (1992)، انتاج: صورة فيلمز وآرت ميكرز وبدعم من منظمتي «سيرش» و«مدني» ضمن مشروع الأفلام القصيرة عن المرأة في الحرب المدعوم من الاتحاد الأوروبي، وكان الفيلم قد حصد جائزة أفضل سيناريو في عرضه العالمي الأول ضمن الدورة 9 من مهرجان مكانس الدولي لِسينما الشباب، ويروي الفيلم في ظل الحرب السورية؛ حكاية «هالة/إيناس زريق» التي تترك منزلها بعد أن يبيع زوجها فستان عرسها لتأمين تكاليف زواجه من امرأة أخرى، وعندما تصل إلى منزل صديقتها؛ تحضر الشرطة إلى منزل الصديقة لِسوق زوجها إلى الخدمة العسكرية، وتبقى الامرأتان وحيدتان في انتظار ما يعيد إليهما ما فقدتاه. وكان المخرج قد شارك سابقاً في المهرجان دورة عام 2016 بِفيلمه الروائي القصير «الغيبوبة» وحصل عنه على جائزة أفضل فيلم قصير. يُعرض الفيلم يوم 31 مارس الحالي
كما سيكون للثقافة الشعبية السورية حضورها في حفل افتتاح المهرجان عبر تقديم فرقة «حلم سوريا» لوحات موسيقية راقصة مستوحاة من الفلكلور السوري، في محاولة لتقديم صورة مختلفة عن الوضع السياسي والاجتماعي والفني في المنطقة العربية وهو أهم أهداف المهرجان الذي يعد منتدى فني يخلق عبر السينما حواراً مفتوحاً عن الفن وحقوق الإنسان والتحرر في البلدان العربية وأوروبا