في عقد الأربعينات من القرن الماضي وبعد ما كان سائداً في سورية غناء الموشحات والغناء التراثي فقط، أعلنت صبيّة عشرينية الانتقال إلى فن المونولوغ العاطفي إسوةً بمصر وخاصةً من بعد سماعها للمطربة سعاد محمد وهي تشدو ( دمعة على خد الزمن ) و ( فين يازمان الوفا ) للموسيقار محمد محسن
هذه الصبيّة التي تعتبر أول من غنى المونولوغ الرومانسي في سورية هي زكية حمدان
ولدت زكية حمدان في حلب 1920 ضمن أسرة فنية فوالدها هو الممثل حسن حمدان ووالدتها كانت تعمل معه في نفس المجال إلا أنهما لم يحظيا بالشهرة بسبب عملهما ضمن المسرح التجاري والترفيهي والمسرح الجوال
تعلّمت أصول الغناء على يد كبار الموسيقيين في حلب (أنطوان زابيطا) و(عمر البطش) وغيرهم عدا اتقانها العزف على العود. وتدين بالفضل لأنطوان زابيطا الذي تعهّدها وجعلها من المطربات اللواتي من الصعب أن تُنسى
رسمت لنفسها شخصية فنية وبدأت تلفت الأنظار إليها في حفلاتها وخاصة من بعد الحفل الذي أقيم في 30 كانون الأول 1939 على مسرح سينما روكسي بحلب برعاية عقيلة الجنرال الفرنسي مونيه قائد جيوش سورية الشمالية
تخاطفتها المرابع الليلية والمسارح وبالرغم من اتقانها لفن الموشحات والأغاني التراثية وتسجيلها لبعض أغان لأم كلثوم (أنا بانتظارك) و(يا ظالمني) لإذاعة دمشق، حتى لقبت بأم كلثوم الشام، إلا أنها كانت تسعى لتجديدٍ في الأعمال الغنائية إلى أن لفت نظرها أعمال محمد محسن للفنانة سعاد محمد من نوع المونولوغ العاطفي فبدأت بالسير على نفس النهج
توجهت زكية حمدان إلى الشعراء والملحنين الذين كانوا يرتادون المرابع التي تغني فيها طالبةً منهم أعمالاً عظيمة ترقى لمستوى الموشحات والتراث وتتلاءم مع صوتها المملوء بالشجن. دعمها في مشوارها هذا عازف الكمان المرافق لها خالد أبي النصر اليافي الذي أبدع لها قصيدة (سّليمى) كلمات نوفل الياس و(خُلقتِ جميلة) كلمات مدحت عكاشة، ومازالت قصيدة (سليمى) هي الامتحان الصعب لأي مطرب وقد غنّاها من الفنانين ميادة بسيليس، أمل عرفة، مروان حسام الدين، ريما خشيش وغيرهم
كما لحن لها عدد من الملحنين السوريين واللبنانيين نذكر منهم ميشيل خياط، أنطوان زابيطا، خالد أبي النصر اليافي، شفيق أبو شقرا، محمد علي فتوح والأخوين الرحباني اللذين خصّاها من كلماتهم وألحانهم بأغنية: يا زورق الحب
تنوعت أغاني زكية حمدان بين المونولوغ والتراثية والموشحات كما غنت عدة قصائد وطنية وابتهالات دينية. تعاملت مع عدد من الشعراء عبدالجليل وهبي وأسعد السبعلي ومصطفى محمود ونزار الحر وخازن عبود وعبد الله غانم ونزار قباني في قصيدة: لماذا تخليت عني
مع بداية الخمسينات قررت هجر الرابع الليلية لتتفرّغ للغناء في المسارح وإذاعة دمشق وبعدها انتقلت للاستقرار في بيروت ومن بعدها كانت محطتها الأخيرة في الكويت حيث بقيت تقيم الحفلات الغنائية لآخر سنين عمرها حتى وافتها المنية بالكويت عام 1987
بقيت زكية حمدان دون ارتباط فهي قد رفضت فكرة الزواج بالرغم من كثرة العروض المقدّمة لها وذلك بسبب الأثر الذي تركه طلاق والديها في نفسها
ضمن سلسلة أعلام الموسيقى والغناء في سوريا، تم إصدار أسطوانة جديدة للفنانة زكية حمدان من قبل دار الأسد للثقافة والفنون تضمنت سبع أغنيات وهي “سلمى”، “خلقت جميلة“، “الله معك“، “من كتر حكي البشر“، “يا حبيبي كم فؤادي يحن إليك“، “هاتِ مندمعك نغماً” و يا زورق الحب
يجمع النقاد على أن زكية حمدان صنعت بصوتها وفنها تاريخ الغناء الرومانسي في لبنان وسورية