فاتن حناوي : المطربة الأكثر غناءً لسوريا

أيام زمان خاص
تمتلئُ صفحاتُ الفنِّ في سوريا بإنجازاتٍ ثريّةٍ قدّمتها شخصيّات فريدة، يقف المرء حائراً أمام عظمتها، متأملاً أسرارها وميّزاتها، فهي أمثلة ونقاط فارقة لا تتشابه في كينونتها مع أحد ممن عاصرها أو حتى ممن سبقها وإلى يومنا هذا، ومن بين هذه الأسماء اللافتة واللامعة، والتي تحمل غرابةً في مُنجزها، على الرغم من قِصَر المدّةِ الزمنيّةِ التي دخلت خلالها الساحة الفنيّة
الفنانة فاتن حناوي، التي نذرت نفسها للفنِّ في ستِّ سنواتٍ، كانت أثنائها الأكثر تفوقاً ومهارةً في سرعة الوصول إلى قلوب مستمعيها في العالم العربي أجمع، شَدَتْ بصوتها العذب أصعب وأرق الألحان فأتقنتها وتمكنت منها بنجاح
ولدت فاتن حناوي في مدينة حلب 1962 وبدأت رحلتها في عالم الغناء عبر تجارب المسرح المدرسي، فعُرفت بأغنية ليه يا بنفسج” التي أتقنتها جيداً وارتبطت ببدايتها، كما أدّت الأدوار الصعبة، والأغاني التراثيّة
لكن الغناء الاحترافي لهذه الفنانة جاء ما بين عامي 1975 و 1981 وخلال هذه السنوات الست تركت بصمتها الخاصّة في عالم الغناء نافست فيه أجمل أصوات سيدات الغناء العربي، وتتميّز هذه الفترة بأن جواز مرورها للمستمعين كان بأدائها المُتقن لأغنيات السيّدة أم كلثوم، وتشير المصادر بأنه عندما كانت إذاعة دمشق العريقة تبث أغنياتها كان مستمعي هذه الإذاعة يحارون ويتشككون بأن هذا هو صوت أم كلثوم الحقيقي أم صوت مطربة جديدة، وأخذ هذا الاستفسار وقته إلى حين ظهرت فاتن حناوي على الشاشة، فبدأ الناس يربطون شكلها مع صوتها
أحرزت خلال تلك الفترة الذهبيّة قرابة خمسين أغنية خاصّة بصوتها وجميعها مسجّلة ومحفوظة، وتنوّعت أغنياتها ما بين القصيدة، واللهجة المحكيّة، واللهجة المصريّة، وتميّز اللون الوطني بحضوره الأبرز، فقد شدت لسوريا عدداً كبيراً من الأغاني، ومن أجمل ما غنت الفنانة فاتن حناوي نذكر قصيدتييا من سقانا، و”ألفتُ حرّكِ” وكلتيهما للملحن رياض البندك والكلمات للشاعر بدوي الجبل، وقصيدة “أترى يذكروه أم نسوه” للملحن رياض البندك والنظم للأخطل الصغير، وقصيدة “أحبّها” من ألحان ونظم شاكر بريخان، وأغنية “وبعد الصبر يا دنيا” من ألحان الموسيقار أمين خيّاط والكلمات للشاعر صالح هواري، وأغنية “لو تعرف شو بحبك يا وطني” للموسيقار سهيل عرفة وكلمات الشاعر عيسى أيوب، وأغنيات كثيرة منها: جرح الهوى، إيه الحكاية، آه منك“، “بيني وبينك خطوتين”، “الهجر“، “الوفاء”، و”هلّت الأفراح”، وغيرها
في لقاء جمع بين الموسيقار سهيل عرفة والفنان القدير وديع الصافي عرض عليه غناء قصيدة “بلدي الشام وأهلي الشام” لمؤلفها الشاعر حسين حمزة، وكانت فكرة أن تشاركه أدائها الفنانة فاتن حناوي، فوافق مُرحباً، وقال بأنه سمع صوتها وأحبّه، فكانت هذه الأغنية التي جمعتهما في ديو مشترك على الرغم من أن الكبير وديع الصافي كان آنذاك في ذروة ألقه، وشهرته، ومشاريعه مع الرحابنة، وفيروز، والشحرورة صباح
يمكننا ربط انطلاقة فاتن حناوي أيضاً ببرنامج المواهب في سوريا وهو أوّل برنامج مسرح للمواهب في الوطن، وكان يقدّم على مسرح سينما الزهراء في مطلع سبعينات القرن الماضي، ومنحتها اللجنة الفاحصة المرتبة الأولى وكان يترأسها أمين خياط آنذاك، وعلى ذكر الجوائز والمسابقات لا يمكننا أن نغفل تفوق صوت الفنانة فاتن أيضاً في إحرازها جائزتين أهدتهما إلى سوريا، والأولى كانت في مهرجان الأغنية العربيّة الذي شاركت فيه بقصيدة “يا من سقاك وأحرزت فيه المركز الأوّل، وفي مهرجان تونس وجائزة أم كلثوم 1977 الذي كان رئيس لجنة التحكيم فيه الموسيقار رياض السنباطي، وقدّمت فيه قصيدة الأطلال وأحرزت المركز الأوّل
استبشر النقاد وأهل الصحافة بصوت الفنانة فاتن حناوي، وعدّوها من الأصوات السريعة الألفة لأذن المستمع، والبعض وثِق بأنه صوت سيملأ فراغ أم كلثوم بعد رحيلها، فلديها صوت متمكّن وقادر على الانتقال بين الطبقات بسهولة، وعن صوتها يقول الباحث الموسيقي صميم الشريف بأنه “يحملُ القوّة والطراوة معاً” وصنّفها من مطربات الدّرجة الأولى
سبقت فاتن حناوي الأخت الصغرى لمطربة الجيل ميادة حناوي في الظهور والانتشار، وتذكر الإشاعات بأن مطربة الجيل ساهمت في اعتزالها وهذا غير صحيح، فهناك علاقة وطيدة نتبينها بين الأختين فقد ساهمت فاتن وهي في عزّ انطلاقتها بدعم شقيقتها الكبرى ميادة من خلال الإشادة بصوتها وحضورها، وبعد وصول ميادة للصف الأوّل عربيّاً حاولت ردّ الجميل لفاتن عندما زار أشهر ملحني الوطن العربي دمشق فتقصدّت ميادة التذكير بحلاوة صوت فاتن ومقدرتها إلا أن الأوان كان قد فات بسبب قرار اعتزال فاتن الغناء حيث جاء ذلك في العام 1981 واتجهت لبيت الزوجية ولتربية ابنها الوحيد وائل     
في لقائنا مع الباحث الموسيقي عثمان حناوي وهو شقيق الفنانة فاتن قدّم لنا معلومة  تُطرح لأوّل مرة، فقد ذكر لنا: قبل اعتزال شقيقتي فاتن الغناء زار دمشق الموسيقار سيد مكاوي وقدّم لها أغنية أوقاتي بتحلو لكن لم تكتمل الخطوة بعد أن تبنت وزارة الإعلام تكاليف التسجيل والاستديوهات والفرقة، ومع مرور الوقت سافر مكاوي لمصر وقدم الأغنية للفنانة وردة الجزائرية التي غنتها لاحقاً
بقيت الناس تذكر هذه الفنانة بمحبّة وتقدير على الرغم من قِصر مدّة حضورها في الساحة الفنية، فقد تركت بصمة جميلة في الوطن العربي، ولها جمهورها في مصر وتونس، وحفلاتها تُذكر في الأردن وتونس والمغرب والعراق ومصر وغيرها من الدّول العربيّة
غادرتنا الفنانة فاتن حناوي بعد صراعها مع مرض الفشل الكلوي، في التاسع من تشرين الأول 2017 تاركة لنا مجموعة من أجمل الأغاني للوطن والحبّ والحياة

 

 

 

Lascia un commento

Il tuo indirizzo email non sarà pubblicato. I campi obbligatori sono contrassegnati *