تتميز الدراما السورية بأن البطولة فيها جماعية وليست فردية، لا يمكنك أن تربط العمل باسم ممثل واحد كالدرما المصرية. في الدراما السورية الجميع أبطال لهم حضورهم مهما كانت مساحة الدور صغيرة أو كبيرة. وعندما نسترجع أعمالاً تركت بصمة في الدراما السورية، تتراكض صوراً متلاحقة للكثير من العمالقة الذين كانوا دعامةً قويةً أفردت لدرامانا مساحة كبيرة على الساحة الفنية العربية
ومن بين تلك الأسماء يظهر لنا اسم الفنان خالد تاجا واضحاً جلياً كقامته الفارعة، فناناً عريقاً ترك بصمة كبيرة في العديد من الأعمال مهما كان حجم دوره، فتقاسيم وجهه القاسية وصوته الجهوري، كانا كفيلين بجعل من يجسدّه شخصيةً لا تُنسى
الفنان خالد تاجا ( 1939- 2012 ) وُلد في حي ركن الدين بدمشق، بدأ حياته الفنية عام 1957 وأولى أفلامه ( سائق الشاحنة” وقد شارك في العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات
كان خالد تاجا يفتخر دائماً بأصوله الكردية دون أن ينسى انتمائه لسورية وللعروبة معتبراً أن العلاقة قويةً بينهما
لأسباب كثيرة بقي خالد تاجا بعيداً عن الساحة الفنية قرابة العشرين عاماً ليعود بقوة إليها في أواخر السبعينيات وكان الفضل لعودته للفنان طلحت حمدي وقد غدا في السنوات العشر الأخيرة نجماً ورقماً صعباً في الدراما السورية
يعزو الفنان خالد قساوة ملامحه ونبرة صوته إلى الصعوبات العديدة التي أنهكته في هذه الحياة، وهي التي ميّزته كقامة فنية قادرة على التعبير دون أن تنبس بأية كلمة،الأمر الذي جعل الشاعر الفلسطيني الشهير محمود درويش يلقبّه بأنطوني كوين العرب
وأنطوني كوين من أشهر ممثلي الغرب، قام بأدوار سينمائية صارت أيقونات الفن السابع منها عمر المختار والرسالة للمخرج مصطفى العقاد، فيلم زوربا، الشيخ والبحر والعديد من الأفلام
كتب خالد تاجا مذكراته وكان يحلم بأن تتحول إلى عمل درامي لما فيها من قصص وتجارب تأتي بخلاصاتٍ وعبرٍ كثيرة وعندما سُئل عن الممثل الذي سيلعب دوره قال بأنه الفنان تيم الحسن لأنه كان يشبهه في شبابه
خالد تاجا تزوج عدة مرات إلا أنه لم ينعم إلا بابنة وحيدة عاشت بعيدة عنه في المغترب، هذا الفنان الذي عاش فترات طويلة وحيداً دون أن توحشه الوحدة هو الذي اختار قبره بنفسه في جناح مميز بمزرعته، غير آبه للموت وفاتحاً له ذراعيه، فقد غادر الحياة بعد صراع مع المرض العضال
خالد تاجا هو البطل في كل أعماله مهما كان الدور صغيراً، فمن المشاهد التي حفرت بالذاكرة
جلوسه في حفرة القبر بانتظار الموت في مسلسل أخوة التراب
كلما أجابه المحامي أنه في قصر العدل يبادله خالد بضحكة ساخرة متألمة في مسلسل عصي الدمع
أخذه الحنين للماضي بعدما أدرك أنه أصبح كهلاً فصار ثرثاراً بعصبية في مسلسل الفصول الأربعة
اختصر جرح الوطن وتاريخه بتجاعيد وجهه في مسلسل التغريبة الفلسطينية
عاش صراع تمنّي موت زوجته وجعلها ترحل بهدوء في مسلسل زمن العار
هذا الفنان الصلب في حياته ومماته، جعل من أعماله ذاكرة صلبة لا تُمحى في تاريخ الفن السوري