Skip to content

يبدُو أن حامليّ العِنب والتُفّاح وسِلالِ القصبِ بينَ حلَبَ والشَّام كانُوا يَحمِلونَ معَهُنّ مع مشقَّات السَّفرِ الطَّويل الإِلهَام أيضاً . لَم تكُن التِّجارةُ أو الصِّناعةُ العَلاماتَ الفارقةَ الوحيدة لمدينتين لاتَنامان ، ففي الوَقت الذي تغلُبُ فِيهِ أصواتُ البَاعةِ والحَركةُ المَستمرَّةُ في أسواقِهِمَا ليلَ نَهار . كانَت بعضُ البيوتِ المُتَفرِّدةُ بِقناديلِهَا السَّاهرةِ تختَزِنُ فِي حِيطانِها نغماتَ العودِ والقانونِ وتَرشَحُ إلى بيوتٍ تُجاورُهَا المُوشَّحاتُ والقُدُود ، فيُمسِي الحَاكِمُ مَحكُوماً تحتَ تَقسيماتٍ تُحيِيهَا وتَرسُمُها أَنامِلُ السَّاهِرين ليَقبضَ السَّامعونَ قلوبَهُم و يغفُو كُل مَن في الحيِّ على هذا الدَّاءِ الجميلِ حالِمِين
تَركَتْ هاتانِ المدينَتانِ إِرثاً موسيقيَّاً كبيراً ، يُمسِكُ من طرَفيّ مَجدِهِ في حَلَبَ الفَنَّانُ الكبيرُ الرَّاحِل أحمد عبد الله صابوني (١٩٢٨-٢٠٠٥) ومن دمشقَ الرَّاحِلُ الكَبيرُ رفيق شُكرِي (١٩٢٣-١٩٦٩) ، كِلاهُما غَنَّى ولَحَّنَ ، مِمَّا يَجْعلُكَ تَقِفُ مُطَوّلاً وأنتَ تُتَابِعُ مَن يُغَنِّي اليَوم ، ومَدى قُدرَتِهِ على مُجَاراةِ هذهِ القاماتِ إِضافَةً لِولَعِ الإِثنَينِ بالمُوسيقار محمَّد عَبد الوَهاب حيثُ كانَت تَربُطُ شُكري بالأَخيرِ صداقَةٌ جيِّدَةٌ . كَمَا غَنَّى الإِثنانِ لإِذاعَتَيّ حَلَبَ ودِمَشقَ ، وحَقَّقَا نَجَاحاً كبِيراً . تَتَلمَذ أحمَد صابُوني على يَديّ الأُستاذ عُمَر البَطش وتَعَلَّمَ غِنَاءَ المَواوِيلِ الشَّرقيَّة والمُوشَّحات ويُذكَرُ أنَّهُ وُلِدَ لِأبٍ يَعمَلُ فِي صِناعَةِ الصَّابون إِلا أنّهُ عَمِلَ إِضافةً إلى الغِنَاءِ بالنَّولِ العَرَبيّ والنَّسيجِ وَهُمَا مِهنَتانِ اشتُهِرَ بِهِما الحلبِيُّونَ عُمُوماً … كَمَا تَعَرَّفَ سَنةَ ١٩٤٧ على أميرِ البُزُق محمد عبد الكريم والفَنَّان عَبد الفَتَّاح سكّر وغَنَّيا سويّاً في إِذاعةِ يافا. ومِنَ المَعلوماتِ الشَّحيحَةِ التي يُمكِنُ أن تَحصَلَ علَيهَا أنَّ الفَنَّان صابوني امتُحِنَ سنة ١٩٥١ مِنَ الفَنَّان ناظِم الغَزَالِي والقَبَقجِي على الإِذَاعَةِ العِرَاقيَّة … اعتَزَلَ الفَنَّ سنَة ١٩٧٥ وأشهَرُ ماغَنَّاه الصّابوني أُغنيةُ “خريف الحُبّ” كلِمات علي الجندي وألحان مجدي العقيدِي وأُغنيةُ “يابديع الحُسْن” كَلِمَات وألحَان مُصطَفَى هلال وعمّرنَا الدَّار كتَبَهَا حسن فَرْحَة ولحّنَهَا نمر كركي، إلّا أنَّ أُغنيَة أيَّامِك ياشَام مِن أجمَل ماغَنَّى وتَقُول أيّامِك ياشَام للجَنّة صوَر بضيُوف طَلّت شوفِتُن ضوّ القَمَر
وديَارنَا بزوَّارنَا عِيدَا ابتَدَا نَوَّار بالأزهَار الضيوفُ وهَدَا
وقال للدِّني يا مَرحَبَا وصار يكتِبَا … بحروف حُبّ ملوَّنة بنَغمِة وَتَر
بردى سَقَى لمَّا التَقَى فِي موعِدُو الأحبَاب والغيّاب أحلا مورِدُو
طَاب الغِنَى يافَرحِنَا بفَيّ الهَنَا … شلّال من الأفراح عَ الدّنيا بَدَر
أمّا الفَنّان ذو الصّوت الجَميل رفِيق شُكري إبنُ حيّ الميدان الدِّمشقِيّ الذي وُصِفَ بأنَّهُ لم يَتأَثَّر بالمَدرسَة المصريّة، بَدأَ حيَاتَهُ في مَعملٍ للكِبريت ، تَتَلمَذَ على يَديّ الفَنَّان صبحي سعيد سنة ١٩٣٥ ويُعتَبر أوَّل مَن غَنَّى بالعامِيَّة السُّوريّة وكانَت أُغنية “بالفَلا جمَّال سارِي” الأُغنيَة الأولى في هذا الإِطار من كلِمات الشّاعِر فخري البارودي … سجّلَ لإذاعة بغداد بدَعوَة مِنهَا عَدداً مِنَ الأغَانِي ، لَحَّن عدداً من القصائِد وغَنَّاها كقصيدة دِمشق للشَّاعِر سليم الزَّركَلي وقَصيدة صوتها للشّاعِر صباح قبَّاني وعذاب للشَّاعر مدحت عكَاش . غَنَّى للشَّاعِر عُمر الحَلَبي غِيبِي ياشمس غِيبِي و خالِي ياخالِي وياحنيِّنة ، ياسَاكني الحَيّ ومَها وكانت جميعها من الحَانِه. وتُعتَبَر أُغنية خلِّي الحَبايب يسألُوا الأُغنية الوحيدة المُسجَّلة لهُ في التلفزيون السّوري … وعلى الرّغم من رحيلِهِ المُبكّر إلا أنّهُ أغنى الفنّ السُّوري بأغانيهِ وألحَانِه وأعطى الأُغنية المحلّيَّة هويَّتَها السُّوريَّة وهذا مانبحَثُ عنهُ فِي فنَّاني اليَوم الذينَ ابتَعدُوا كُلَّ البُعدِ عن هويَّةِ الأُغنيةِ السُّوريّة التي تمتَلِكُ مِنَ الأصالَةِ مايُعطِيهَا حقَّها ومَرتَبتَها في التُّراثِ الموسيقيّ العربيّ … ولايُبرِّرُ أبداً ابتِعادَ المُغنِّي السُّوريّ عن أداءِ الأُغنيةِ التي تحمِلُ هويَّةَ بلَدِهِ بالمرتَبةِ الأولى ليَتَحوَّلَ لاحِقَاً إلى بُلدانٍ أُخرى ويُغنِّي لَهجاتها … ونُنهِي مابدأنَاهُ بأُغنيةٍ وطنيَّةٍ لرَفيق شُكري أَدَّاهَا على المسرحِ يعزِفُ على آلةِ العُود تحمِلُ عُنوان وَطنِي الغَالِي يا سوريَّا وتقولُ كلِمَاتُهَا
يا حبِيبْتِي يا مهدِ الحُرِيَّة يا وطني الغالي يا سُورِيَّا
عزِّي وبلادِي ومربَى أولادِي وأهلِي وأحفادِي الغَاليِيْن
عليَّ صحينَا على نورِك وعشْنَا من خيرِك وماإلنا غيرِك
يا حبيبتِي يامهدِ الحُريَّة … يا سُوريَّا