أمتعنا الفنان القدير الراحل عمر حجو عبر عقود بأعماله الكوميدية والاجتماعية، الدرامية منها والمسرحية وكلنا يذكر تواجده الحي والمهم بمسرحيات أسرة تشرين مع الثنائي محمد الماغوط ودريد لحام: غربة، ضيعة تشرين، كاسك يا وطن، شقائق النعمان، صانع المطر، والعصفورة السعيدة إلا أن ما لايعرفه الكثيرون أن الفنان عمر حجو هو من مؤسسي المسرح السوري بأواسط القرن العشرين عبر مسيرة ملأى بالتجارب والتحوّلات التابعة لتغيير المناخ السياسي والاجتماعي والثقافي ليعطي عبرها عدة أشكال لهذا المسرح
بدايةً … وُلد الفنان عمر حجو في مدينة حلب 1932 وكانت أولى خطواته الفنية عبر أعمال مسرحية شارك فيها على مسارح حلب وكانت مجرد فواصل ترفيهية بين فقرات غنائية لمطربين ومطربات. غير أن هاجس تقديم المسرح كعمل مستقل كان دائماً يراوده، وقد رأى النور بعد العدوان الثلاثي 1956 ، فقد أسس فرقة (الفنون الشعبية) بالتعاون مع عبد المنعم اسبر وقدما مسرحيات “الاستعمار في العصفورية” و “مبدأ ايزنهاور” كمحاولة لتقديم مسرح جاد يحاكي الواقع ويلتزم بالقضايا السياسية والاجتماعية، إلا أن ضغوطات الرقابة دفعته لايجاد شكل جديد للمسرح، فظهرت فكرة مسرح البانتوميم ( المسرح الصامت أو الايمائي) الذي وصل صيت نجاحه إلى القاهرة ،إلا ان الرقابة أيضاً لم تدع له مجالاً ليثبّت نجاحه
عاد الفنان عمر حجو لتأسيس فرقة المسرح الشعبي وقد انتقلت أعمالها إلى دمشق 1960 ، هذا العام الذي ساهم فيه بشكل كبير بتاسيس التلفزيون السوري والمسرح القومي. كان يطمح دائماً لتقديم أشكال جديدة للمسرح بعيدة عن النماذج الاوروبية المستوردة وقريبة أكثر من واقعنا الحياتي إلى ان نضجت فكرة مسرح الشوك الانتقادي عقب هزيمة 1967 حيث قدّم عدة عروض منها “مرايا” و “براويظ” وشارك فيها فنانون كبار كدريد لحام ورفيق السبيعي وأسعد فضة وغيرهم بعد انتهاء تجربة مسرح الشوك بسبب تأسيس دريد لحام لأسرة تشرين، وبطلب من وزارة الثقافة السورية، أسّس حجو بالتعاون مع الكاتب المسرحي سعدالله ونوس المسرح الجوال وهو عبارة عن عروض متنقّلة تُقدَّم بأبسط الوسائل ضمن ساحات القرى والأرياف، إلا أن بعض القيّمين بوزارة الثقافة اتهموا المسرح الجوال بتحريض الفلاحين فلم تكتب له الاستمرارية
للممثل عمر حجو أعمال درامية عديدة تركت بصمة بتاريخ الدراما السورية نذكر منها سيرة آل الجلالي، خان الحرير، أحقاد خفية، وادي المسك، الثريا والكثير غيرها . أما آخر عمل درامي جمع بين العمالقة دريد وعمر هو “سنعود بعد قليل” عام 2013 وهو من اخراج ابنه الليث حجو والمشاهد القليلة التي جمعت العملاقين، كانت مليئة بالشجن و بوجوه زيّنتها تجاعيد الحنين … كأن كل منهم يدرك أنه لن يرى صديقه مرة أخرى (فنياً وواقعياً)، وهذا ما حصل … فقد غيّب الموت الفنان حجو عام 2015 إثر نوبة قلبية عن عمر يناهز الثمانين عاماً
عمر حجو … الفنان المرهف والمتواضع الذي ألّف معظم الجمل والمواقف المضحكة في المسرحيات والأعمال الأخرى كان يعطيها لزملائه حباً وطواعية ً كي يؤدونها بدلاً منه … لم تعنِه يوماً النجومية وأدوار البطولة
بقي طيلة حياته وفيّاً لأبي الفنون … هذا الوفاء الذي صار بعد رحيله … ذاكرة المسرح السوري