كثيراً ما تناولت الصحافة فكرة المنافسة بين الدرامات العربية، وغالباً ما يرجّح كل فنان أو مواطن عربي الكفة لصالح دراما بلده، ولذلك من الصعوبة أن نخلص لنتيجة واضحة، ولكن وفقاً للوثائق، اعترف الكثير من نجوم الدراما المصرية بأهمية الدراما السورية وسيطرتها، حتى باتت منافساً يقلق دراما تربعت على ساحة الفن العربي منذ اكتساح الشاشة الصغيرة للسوق، ومنهم النجم المصري محمد صبحي الذي اعتبر الدراما السورية متفوقة على الدراما المصرية وتطورت بشكل أكبر
وتجلّى ذلك عندما دخل نجوم سورية لهوليود الشرق من أوسع بوابة، وتصدّر ممثلنا بطولة الأعمال المصرية كجمال سليمان مثلاً في حدائق الشيطان عام 2006، وجمانا مراد في أفلام مصرية عديدة كلحظة أنوثة وكباريه، وسلاف فواخرجي كان لها تواجد مهم في الدراما المصرية، وتوالى الفنانون السوريون بعد ذلك لمصر، ورغم ذلك بقيت الدراما السورية بقمة النجاح
وما إن عصفت رياح الأزمة في سورية حتى تراجعت الدراما بشكل كبير، لأن الفن في المجتمع العربي هو من الكماليات ومجال ترفيهي يتأثر مباشرةً حتى في ظل أبسط الأزمات، وسرعان ما تفرّعت الدراما السورية في ثلاثة اتجاهات، أولاً المسلسلات التي عالجت الأزمة السورية بمختلف نواحيها، مما خلق مشكلة لدى الكاتب السوري الذي لا يستطيع تجاوز ما يحدث لأن الدراما تعكس الواقع، وفي نفس الوقت المشاهد السوري الذي يعيش الأزمة لن يرغب في مشاهدة عمل يذكّره بمأساته التي يحاول أن يتناساها ولو لساعة تلفزيونية، وثانياً دراما البيئة الشامية التي وكما يقال في العامية “طلعت من أنوفنا” بحيث لا تعالج أي جديد وتقدّم ملاحم بطولية وعادات حُفظت عن ظهر قلب حتى في زيمباواي
وثالثاً وهي مسلسلات “البان أراب” والتي انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة والتي تجمع بين نجوم العرب، فالبطل سوري والبطلة لبنانية والمخرج سوري، مع قليل من البهارات المصرية والمغربية وغيرها، فكيف يكون الأخ مصري ويتحدث بالمصرية، والأخت سورية وتتحدث كما نقول “بالشامي الأح” ولكن البذخ والإنتاج الضخم هو ما جعل هذا النوع يتصدر المشهد، ظناً من الممثل السوري بأن هذا هو السبيل لانتشاره العربي ووصوله، دون الاهتمام بالتفاصيل ومع غياب النص المتفرّد، وغالباً ما يكون مُقلّد في الحبكة والصورة وحتى في زوايا التصوير، كمسلسل “نص يوم” المأخوذ عن فيلم “أوريجينال سين” لأنطونيو بانديراس وأنجلينا جولي، ودائماً البطل غني والبطلة فقيرة ويظهر بصورة المخلّص الذي انتَظَرته طويلاً، ولا ننسى المشاهد الفارهة و”البراند” و”الأيفون” والمكياج حتى عند الاستيقاظ، ولوهلة بتنا نشعر أن هذه الأعمال تتناول ما يجري في غرف أميرات بكنغهام أو أروقة قصر موناكو لا مجتمعاتنا، فمثلاً النجم تيم حسن معظم أعماله الأخيرة تتناول فكرة الشاب الغني ورجل الأعمال أو مهرّب الأسلحة، رغم أن أشهر أدوراه في الدراما السورية هو شخصية “عبود” في مسلسل الانتظار الذي يمثل شريحة كبيرة من الشعب، في حين الشخصيات التي يلعبها الأن لا تمثل سوى 1% من الناس، لذلك النص بعيد عن الشارع العربي دون أي مراعاة حتى لخصوصية كل مجتمع، ففي دمشق مثلاً كل حي لديه مشاكل وهموم وطريقة معيشة مختلفة، فكيف ستجمع سورية ومصر والمغرب ولبنان في عمل واحد ؟
وكان لهذه الاعمال تأثير جعل الدراما المحلية تنزف ولا تستطيع مجابهة عمل يفوقها بالإنتاج أضعاف مضاعفة ويُعرض على قنوات فضائية متنوعة، خاصةً في ظل مقاطعة أغلب الفضائيات العربية للدراما السورية نتيجة الأحداث السياسية، والذي زاد الوضع تعقيداً هو هجر الممثل السوري وخاصة “الصف الأول” للدراما المحلية متجهاً للبان أراب، عدا عن المشاكل الإنتاجية وقلة شركات الإنتاج وتشرذم نجوم سورية في كل بقاع الأرض وقلة الفضائيات السورية والقلق الأمني وغيرها، فلماذا مثلاً نرى الدراما المصرية لا تقبل على أي نجم أن يتحدث بلهجته الأم أو لا تقبل نصاً يعالج مشكلة ليست من رحم المجتمع المصري، هذه الأسئلة هي من حافظت على هوية الدراما المصرية، وبالطبع الإنتاج في مصر ضخم والفضائيات كافية، أما في سورية نرتبط وللأسف بالفضائيات والسوق الخليجية وهو ما يجعل القرار في يد المنتج وليس المبدع، وهذا ما دعا البعض كرافي وهبه لتقديم عمله “بدون قيد” بطريقة رقمية واقعية وبدون قيد الفضائيات، وهي التجربة الأولى التي يكون فيها طاقم العمل من الممثلين السوريين، بينما شريك الكتابة والمخرج لبناني، في حين اعتدنا على العكس منذ سنوات
الدراما المشتركة إن كانت مناسبة وفي موقعها ليست كارثة، ولكن بشرط ألا يكون عدد الأعمال متفوقاً على الدراما المحلية بحيث لا يبقى التيمم إن حضر الماء، كي لا نفقد الصبغة الخاصة بكل مجتمع